هناك دوما فارق بين حرية الرأي والتعبير وبين الإهانة، هذا الفارق يحدده القانون، فيسمح بالأولى ويجرم الثانية.
![]() |
عندما يتعرض أحد الأشخاص بالإهانة لموظف عام أثناء تأدية عمله فإنه يضع نفسه تحت طائلة القانون، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل. |
لكن الأمر قد لا يتوقف عند حدود الألفاظ سواء كانت رأيا أو إهانة، فيتطور ويصبح إعتداء صريح.
نبحث اليوم في هذه الأفعال عندما ترتكب في حق أيا من ذوي الصفة العمومية في القانون الكويتي، وذلك في تقرير مستفيض عن هاتين الجريمتين وما يتفرع عنهما أو يتداخل معهما.
من هو الموظف العام في الكويت؟:
لعل من المهم في البداية أن نقوم بتحديد من هو الموظف العام وفقا للقانون الكويتي حتى يكون واضحا الفئات التي يسري بحقها هذه الجريمة إذا وقعت ضدهم.
وكنا قد أعددنا من قبل تقريرا تحت عنوان: ((جريمة اختلاس المال العام في القانون الكويتي))، أوضحنا فيه من هو الموظف العام في الكويت وذلك بناء على المادة ٤٣ من القانون رقم ٣١ لسنة ١٩٧٠، والتي نصت على أن الموظفين العموميين هم:
أ- الموظفون والمستخدمون والعمال في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت إشرافها أو رقابتها.
ب- أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
ج- المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون.
د- كل شخص مكلف بخدمة عامة.
ه- أعضاء مجالس إدارة ومديرو وموظفو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت، إذا كانت الدولة أو إحدي الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.
فإذا وقعت جرائم مثل الإهانة أو الإعتداء على أي من هذه الفئات نكون بصدد أحكام قانونية خاصة، تجد لها مبررا بأن هذه الأفعال تكون شديدة الخطورة في حق ذوي الصفة العمومية، حيث تأخذ لونا يقترب إلي إهانة أو الإعتداء على القانون والدولة، وتصبح شغلا شاغلا للمجتمع بأسره.
جريمة إهانة الموظف العام في الكويت:
تم تعديل المواد القانونية التي تعاقب على إهانة الموظف العام في الكويت، وذلك بموجب المرسوم بقانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠٢٤ بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء.
وقد فرق هذا التعديل والذي طرأ على المادة ١٣٤ من القانون بين طائفتين من الموظفين العموميين في الكويت، وذلك على النحو التالي:
- كافة الموظفين العموميين: الحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تجاوز ٣٠٠ دينار كويتي، ولا تقل عن مائة دينار كويتي أو بإحدي هاتين العقوبتين.
- إذا وقع فعل الإهانة بحق أحد القضاة أو أعضاء النيابة العامة أو أحد من قوة الشرطة أو الجيش أو الحرس الوطني: يتم في هذه الحالة تشديد العقوبة لتصبح الحبس لمدة لا تجاوز سنة وغرامة لا تزيد على ألف دينار كويتي، ولا تقل عن ثلاث مائة دينار.
وفي كلا الحالتين، جاء النص ليربط العقوبة والفعل بأن تكون (أثناء تأدية الوظيفة أو بسبب تأديتها)، وبالتالي فإذا وقعت الإهانة خارج ذلك الوقت، فإننا لا نكون أمام جريمة إهانة موظف عام، بل بصدد جريمة سب وقذف عادية.
لكن فحتى لو وقعت الإهانة خارج وقت العمل الرسمي لكن كانت بسبب تأدية الموظف العام وظيفته (على سبيل المثال من أهان موظف عام خارج وقت العمل وخارج مكان العمل لكن كانت الإهانة بسبب موقف يتعلق بعمله).
أيضا فإن النص ساوي بين أن تقع الإهانة بالقول (مثل السباب أو القذف) أو بالإشارة (مثل الحركات الخارجة باليد).
لكن وفي كلا الحالتين فإن هذه الجريمة تصنف باعتبارها جنحة وينعقد الاختصاص في محاكمة المتهمين بها إلي محاكم الجنح.
أيضا، وفي كلا الحالتين جاء النص بعبارة (أو بإحدي هاتين العقوبتين)، وهو ما يعني إطلاق يد المحكمة، فهي إما أن تجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة معا، أو تكتفي بالحبس دون الغرامة، أو حتى بالغرامة فقط.
كما نلاحظ أيضا، أنه وفي كلا الحالتين قد تم تحديد الحد الأقصى لعقوبة الحبس لكن لم يتم تحديد حدها الأدنى، وفي مثل هذه الحالات نعود إلى الحد الأدنى المقرر لعقوبة الحبس في قانون الجزاء الكويتي والمحدد بنص المادة ٦٢ من هذا القانون بأنه "لا تقل مدته عن أربع وعشرين ساعة".
![]() |
لأن للصحافة حق الهجوم على كل مسؤول مهمل أو فاسد وكشفه للمجتمع، فإن هناك شروطا قانونية معينة إذا التزمت بها، فلا وجود لجريمة إهانة الموظف العام، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل. |
تنويه: لا يعتبر الطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة تحت حكم هذه المادة، بشروط هي:
- إذا حصل بسلامة نية.
- إذا كان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة.
- يشترط أيضا إثبات حقيقة كل فعل أسند إلي الموظف العام.
وهذه الشروط منطقية، لأن الدأب على توجيه حملات مغرضة إلى ذوى الصفة العمومية سواء في نطاق حياتهم الخاصة أو العامة أمر لا يقتصر سوء أثره على المجني عليه فحسب بخدش سمعته واعتباره، وإنما يرتد إلى مصلحة المجتمع بأسره.
إهانة موظف عام عبر الإنترنت في الكويت:
في عالمنا اليوم، ومع اتساع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد نشهد حدوث إهانة الموظف العام من خلال تغريدة أو منشور يقوم بكتابته أحد الأشخاص.
في هذه الحالة فإن النص الذي يعاقب على إهانة موظف عام عبر الإنترنت هو نص المادة ٦ من القانون رقم ٦٣ لسنة ٢٠١٥ في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي تنص على: ((يعاقب بحسب الأحوال بالعقوبة المنصوص عليها في البنود (١ ، ٢ ، ٣)، من المادة ٢٧ من قانون المطبوعات والنشر، كل من ارتكب عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات المنصوص عليها في هذا القانون أحد الأفعال بحسب الأحوال المبينة بالمواد (١٩ ، ٢٠ ، ٢١) من القانون المشار إليه)).
ولمزيد من التوضيح فإن البند رقم ٣ من المادة ٢٧ من قانون المطبوعات والنشر هو ما يتعلق بحالتنا، والتي وضعت عقوبة لمخالفة المادة ٢١ من ذات القانون ومن صوره التي تتعلق بإهانة الموظفين العموميين:
- إهانة أو تحقير رجال القضاء أو أعضاء النيابة العامة.
- المساس بالحياة الخاصة للموظف أو المكلف بخدمة عامة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة له تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه.
عقوبة ذلك هي الغرامة التي لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار.
جريمة الاعتداء على موظف عام في القانون الكويتي:
في ذات التعديل أصبح نص المادة ١٣٥ من قانون الجزاء الكويتي ما يلي: ((يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تزيد على ألف دينار ولا تقل عن ثلاث مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعدى على موظف عام أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها)).
كان هذا الشطر مخصصا لجرائم الاعتداء على موظف عام بشكل عام في القانون الكويتي.
لكن الشطر الثاني من ذات المادة حدد العقوبة إذا وقع التعدي أو المقاومة بالقوة أو العنف على أحد القضاة أو أعضاء النيابة العامة أو أحد من قوة الشرطة أو الجيش أو الحرس الوطني، فتشدد في العقوبة وجعلها الحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار ولا تقل عن خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين)).
الاعتداء على موظف عام خلال تجمهر أو مظاهرة:
تشدد المشرع الكويتي في الفقرة الثانية من المادة ١٣٥ من قانون الجزاء، والمعدلة بموجب المرسوم بقانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠٢٤ في العقوبة إذا توافر في فعل الاعتداء على موظف عام هذين الشرطين:
- الأول: إذا وقع على أحد من قوة الشرطة أو الجيش أو الحرس الوطني.
- الثاني: إذا كان الفرد الذي وقع عليه الاعتداء يقوم بواجبات وظيفته في فض تجمهر أو اجتماع أو مظاهرة أو موكب أو تجمع، بقصد مقاومة هذا الفرد أو تعطيله عن أداء مهامه.
فإذا توافر هذين الشرطين، تكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف دينار ولا تقل عن ألف دينار، أو بإحدي هاتين العقوبتين.
هل يجوز التصالح في قضايا التعدى على الموظف العام؟:
الإجابة هي (لا)، حيث لا يجيز قانون الجزاء الكويتي للمجني عليه أن يتصالح مع المتهم أو يعفو عنه أو يعدل عن اتهامه له.
وذلك بعدما أضاف التعديل الأخير المادة رقم ١٣٥ مكرر أ إلى قانون الجزاء والتي حظرت العدول عن الشكوى أو التصالح مع المتهم أو العفو عنه كما يتيح قانون الجزاء في الكثير من الجرائم الأخرى.
التعويض المدني في التعدى على الموظف العام في الكويت:
يكون من حق المجني عليه في قضايا إهانة أو الاعتداء على الموظف العام أن يرفع دعوى قضائية يطالب فيها بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابته جراء ذلك.
هذا ويمكنكم في هذا الصدد الإطلاع على تقريرنا: ((أحكام وقواعد وشروط التعويض في القانون الكويتي)).
ماذا تفعل إذا أساء الموظف العام إليك؟:
ونقول في ختام التقرير، أن القانون الكويتي يتيح للمواطنين والمقيمين تقديم أي شكوى ضد أي موظف عام أو شخص ذو صفة عمومية يتخطي سلطاته أو يتعمد إهانة المواطنين، لذا فإذا حدث لك موقف مثل هذا عليك إبلاغ السلطات المختصة.
أيضا يتوافر لكل مواطن ومقيم حق (الدفاع الشرعي عن النفس) إذا ما تعدي الموظف العام عليه بالايذاء البدني أو التعذيب.
ويمكنكم في هذا الصدد التواصل معنا عبر صفحة (اتصل بنا) حيث تجدوننا مستعدين دوما لكتابة تلك الشكاوى بصياغة قانونية وإرشادكم إلي الجهة المختصة بتلقيها.
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
ولأي استشارات بشأن جرائم (إهانة) أو (الاعتداء على) الموظف العام في القانون الكويتي .. أو أي استشارات قانونية في أي دولة من دول الخليج العربي.. يسعدنا في "القانون في الخليج" تلقي استفساراتكم عبر صفحة (اتصل بنا) حيث نقدم إجابات شاملة ومجانية لمدة ٣ أيام على الأقل.
كما لا تنسوا متابعتنا على منصاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي:
وفي الختام سلام عليكم..
إرسال تعليق