استعمال الرأفة وأعذار تخفيف العقوبة في القانون الإماراتي

الرأفة أو العطف هي صفات نبيلة، تكثر الدعوات ليتصف بها البشر في حياتهم اليومية، بل هي من أسماء الله الحسنى، يقول عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)) (من الآية ١٤٣ : سورة البقرة).

هذه الصفة وجدت طريقها أيضا في ساحات المحاكم .. حيث يقف فرسانها وهم المحامون يطلبون من القضاة استعمالها مع المتهمين في قضايا الجنح و الجنايات.

استعمال الرأفة
ما هي الحالات التي قد يتم فيها تخفيف العقوبات في القانون الإماراتي .. ومتي يجب ذلك؟، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل.

أيضا، نصت القوانين على (أعذار) أينما وجدت تحكم المحاكم حينها على المتهمين بعقوبات مخففة، تقديرا لأن هناك ظروف معينة هي من دفعتهم لارتكاب الجريمة.

في هذا التقرير، نتعرف على ما هو طلب استعمال الرأفة في القانون الإماراتي، وما هي شروطه؟، كما نلقي نظرة فاحصة على الأعذار التي نص عليها قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي، ونوضح الفوارق بينهما.

ما هو وجه الشبه بين طلب الرأفة والأعذار المخففة للعقوبة في الإمارات؟:

إن التشابه بين طلب الرأفة والأعذار المخففة للعقوبة أن (طلب الرأفة) يعد بمثابة الأبن الشرعي للأعذار المخففة للعقوبة.

فإذا توافرت تلك الأعذار، كان طلب الرأفة أكثر واقعية وأكثر قوة.

ومع ذلك فإن غياب الأعذار المخففة للعقوبة لا يعني عدم جواز طلب الرأفة، إذ يظل ذلك جائز دائما، وإن كانت فرص قبوله في هذه الحالة تعد مسألة ترجع حسب تقدير القاضي.

ماهو طلب استعمال الرأفة في الإمارات ومتي يستعمل؟:

يعتبر استعمال الرأفة من الطرق الاستثنائية في الدفاع عن المتهم، والتي لا يستخدمها المحامي إلا في ظروف معينة نذكرها فيما يلي:

  1. إذا ما تيقن المحامي أن المتهم مذنب بالفعل.
  2. إذا كانت الأدلة أو القرائن أمام المحكمة تؤدي إلى الاعتقاد بشدة أن المتهم هو مرتكب الجناية أو الجنحة.

فحينها يلجأ المحامي إلي تغيير أهدافه، فبدلا من السعي إلى الحصول على حكم ببراءة موكله، فإنه يطلب استعمال الرأفة معه، ويعني ذلك طلب تخفيف العقوبة إلي أقل حد ممكن.

مثال عملي على ذلك هو حكم (محكمة تمييز دبي) الصادر في سبتمبر عام ٢٠٢٣، حيث عاقبت مؤثرة خليجية بغرامة ٥٠٠ درهم إماراتي بتهمة سب مستشفى خاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

المحكمة استعملت الرأفة مع تلك السيدة بسبب أن حالتها لم تكن طبيعية وقت ارتكابها ذلك الفعل لأن والدتها تعرضت لنزيف تحت الجلد أثناء سحب عينة من الدم.

وبشكل عام فإن أهم الظروف أو الأسباب التي قد يعتمد عليها المحامين في (طلب الرأفة) هو الظروف الاجتماعية للمتهم، أو أنه لا يمثل خطورة إجرامية، واحتمالات تكراره للجريمة بشكل عام ولهذه الجريمة خصوصا، وهي أمور تختلف من متهم لآخر بل ويختلف قبولها من قاض لآخر.

وهذا ما نصت عليه المادة ١٠١ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي حين قالت: ((إذا رأت المحكمة في جنحة أن ظروف الجريمة أو المجرم تستدعي الرأفة جاز لها تخفيض العقوبة على النحو المبين في المادة السابقة))، ونلاحظ على هذا النص أنه خاص بالجنح فقط ولا يشمل الجنايات.

الفارق بينه وبين حالات العذر: هذه حالات تقديرية يقدرها المحامي حسب علمه وخبرته وكفاءته، ويحكم بها القاضي أو لا يحكم حسب سلطته التقديرية .. لكن في حالات (العذر) فإن المتهم يستفيد منها متي توافرت بحكم القانون.

فحسب المادة ٩٥ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي: ((الأعذار إما أن تكون معفية من العقاب أو مخففة له.
ولا عذر إلا في الأحوال التي يعينها القانون)).

وتبين المادة ٩٦ من ذات القانون أن العذر المعفي من العقاب يمنع المحكمة من الحكم بأي عقوبة أو تدبير عدا مصادرة الأشياء أو المعدات التي استخدمت في إرتكاب الجريمة أو تم التحصل عليها منها.

أما المادة ٩٧، فقد وضعت (أمثلة) على الأعذار المخففة للعقوبة في الإمارات، وهي كما ذكرتها: ((يعد من الأعذار المخففة حداثة سن المجرم، أو ارتكاب الجريمة لبواعث غير شريرة، أو بناء على استفزاز خطير صدر من المجني عليه بغير حق)).

ونحن هنا نقول (أمثلة) لأن المشرع الإماراتي استخدم تعبير ((يعد من الأعذار المخففة))، وبذلك يفتح المجال أمام القضاء ليعتبر حالات أو ظروف أخرى "أعذار مخففة"، ويفتح المجال أمام المحامين للبحث عن أي ظروف قد تخفف من العقوبة على موكليهم، على عكس ما إذا كان قد قال ((الأعذار المخففة هي ..)) ثم قام بذكرها على سبيل الحصر.

هل طلب استعمال الرأفة ملزم للمحكمة حسب القانون الإماراتي؟:

الإجابة هي لا.
فليس شرطا أن توافق المحكمة على طلب استعمال الرأفة بحق المتهم، وإنما تقدير ذلك من سلطة المحكمة ذاتها.

وبهذا المعني نقرأ من الطعن رقم ١٧ لسنة ٢٥ القضائية لسنة ٢٠٠٤، والصادر بتاريخ ٢٢ / ١١ / ٢٠٠٤ (نقض جزئي).

يجيز قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي للقضاء استعمال الرأفة
إن المحكمة هي صاحبة الحق الوحيد في تقدير ما إذا كانت حالات الرأفة تنطبق على القضية ام لا، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل.

وبالرغم من أن هذا الحكم سابق على صدور قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي الجديد عام ٢٠٢٢، إلا أن المبادئ التي وضعها لا تتعارض معه وبالتالي فإنها سارية حتى الآن ويمكن الاستدلال به، سواء للمحامين أو حتى القضاة.

إذ نص هذا الحكم على أنه: ((تقدير موجبات الرأفة أو عدم قيامها موكول لقاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك)).

الفارق بينه وبين حالات العذر: بذلك يختلف طلب الرأفة عن (الأعذار القانونية) والمنصوص عليها في القانون والتي يتوجب على القاضي الحكم بها متي تواجدت ظروفها وشروطها.

ونضرب على ذلك مثالا معتمدين على المادة ٩٨ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي، والتي تنص على: ((إذا توافر عذر مخفف في جناية عقوبتها الإعدام، نزلت العقوبة إلي السجن المؤبد أو المؤقت أو إلي الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة، فإن كانت عقوبتها السجن المؤبد نزلت العقوبة إلى السجن المؤقت أو إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر، فإن كانت عقوبتها السجن المؤقت نزلت إلى عقوبة الحبس الذي لا يقل عن ثلاثة أشهر، وذلك كله ما لم ينص القانون على خلافه)).

فكما هو واضح من النص، فحينما تتوافر الأعذار المخففة تنزل العقوبة تلقائيا دون أن يكون للمحكمة سلطة تقديرية في ذلك وهو عكس الحال بالنسبة لطلب الرأفة.

هل تقلل الرأفة من الحد الأدنى للعقوبة؟:

في الغالبية العظمي من التشريعات العقابية في دولة الإمارات، بل وفي جميع أنحاء العالم، يكون لعقوبة أي جريمة حد أدنى وحد أقصى يجب أن تلتزم به المحكمة.

وحتى في حالة أن المحكمة قد قبلت (طلب الرأفة)، فإنها تظل ملتزمة بأن لا تقل العقوبة عن حدها الأدنى المقرر قانونا.

وهذا ما نص عليه الحكم السابق الإشارة إليه حينما قال أن ((تقدير العقوبة سلطة لقاضي الموضوع بشرط أن تكون في الحدود المقررة في القانون)).

وكذلك نجد نفس الأمر في حكم (المحكمة الاتحادية العليا) الصادر في الطعن رقم ٥٧٥ لسنة ٢٠٢٠ جزائي والذي جاء فيه أنه إذا كانت القضية تعتبر من (الجنح) التي قرر لها المشرع حدا أدني لعقوبة الحبس.

فإنه في هذه الحالة إذا رأت المحكمة توافر (عذر مخفف) أو (ظروف تستدعي الرأفة) فإن القاضي له مطلق الحرية في تقدير العقوبة، وذلك بشرط واحد وهو أن لا ينزل بالعقوبة التي سيحكم بها عن (الحد الأدنى المقرر لعقوبة الحبس ومقداره شهر واحد).

الفارق بينه وبين حالات العذر: هذا الفارق هو من أوضح الفوارق بين الرأفة وحالات العذر وخصوصا إذا كانت الجريمة من (الجنح).

إذ تنص المادة رقم ١٠٠ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي على:

((إذا توافرت في الجنحة عذر مخفف كان التخفيف على الوجه الآتي:

  1. إذا كان للعقوبة حد أدنى خاص فلا تتقيد به المحكمة في تقدير العقوبة.
  2. إذا كانت العقوبة الحبس والغرامة معا، حكمت المحكمة بإحدي العقوبتين فقط.
  3. إذا كانت العقوبة الحبس غير المقيد بحد أدنى خاص، جاز للمحكمة الحكم بالغرامة بدلا منه)).

وهنا يبدو واضحا أنه في حالات الأعذار المخففة للعقوبة في الجنح، وعلى عكس (طلب الرأفة) يجوز للمحكمة أن تقل عن الحد الأدنى للعقوبة، بل وأن تستبدل الحبس بالغرامة، بشرط واحد هو أن تكون تلك الجنحة غير مقيدة بحد أدنى.

فإذا كان القانون قد حدد حد أدنى للعقوبة، فإنه لا يجوز للقاضي أن يستبدلها بعقوبة أخرى.

ومثال ذلك الحكم الذي حكمت فيه المحكمة على متهمان بجنحة سرقة سيارة ليلا بالغرامة ٢٠٠٠ درهم إماراتي بدلا من عقوبة الحبس.

في هذا المثال خالفت المحكمة هذه القواعد ، مما يعتبر خطأ في تطبيق القانون.

الأعذار المخففة للعقوبة في الجنايات في الإمارات:

بجانب الجنح، حددت المادة رقم ٩٩ من المرسوم بقانون اتحادي رقم ٣١ لسنة ٢٠٢١ بإصدار قانون الجرائم والعقوبات، ظروف إذا توافرت في (المجرم) أو (الجريمة)، يجوز للمحكمة ولكن ليس فرضا عليها أن تخفف عقوبة الجناية على النحو التالي:

  1. إذا كانت عقوبة الجناية هي الإعدام يجوز للمحكمة أن تنزلها إلي السجن المؤبد أو المؤقت.
  2. إذا كانت عقوبة الجناية هي السجن المؤبد يجوز للمحكمة أن تنزلها إلي السجن المؤقت أو الحبس الذي لا تقل مدته عن ٦ أشهر.
  3. إذا كانت عقوبة الجناية هي السجن المؤقت يجوز للمحكمة أن تنزلها إلي الحبس الذي لا تقل مدته عن ثلاثة أشهر.

من الذي يستفيد من الأعذار الشخصية في القانون الإماراتي؟:

هناك نوع من الأعذار التي تعفي من العقوبة أو تخففها، تسمي (الأعذار الشخصية).

ويقصد بالأعذار الشخصية أنها متعلقة بشخص معين، كحالة الشاب الذي يشترك مع غيره فيسرق مال مملوك لوالده، فهنا وإعمالا للفقرة الأولى من المادة ٥١ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي، فإنه لا يستفيد من هذه الأعذار إلا من تعلقت به ولا تمتد إلي غيره من بقية الشركاء.

في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.

ولأي استشارات بشأن استعمال الرأفة وأعذار تخفيف العقوبة في القانون الإماراتي .. أو أي استشارات قانونية في أي دولة من دول الخليج العربي.. يسعدنا في "القانون في الخليج" تلقي استفساراتكم عبر صفحة (اتصل بنا) حيث نقدم إجابات شاملة ومجانية لمدة ٣ أيام على الأقل.

كما لا تنسوا متابعتنا على منصاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي:

وفي الختام سلام عليكم..

القانون في الخليج
القانون في الخليج
(القانون في الخليج) هو الموقع العربي الرائد في مجال المعرفة والنصائح والاستشارات القانونية في دول الخليج العربي
تعليقات