في شهر مايو من عام ٢٠٢٥، نفذت السلطات السعودية حكم (الإعدام) بحق من عرفت إعلاميا بلقب (خاطفة الدمام).
سلطت تلك القضية الضوء على جريمة (الخطف) التي تنتشر بأشكال وصور مختلفة في السعودية، كما دفعتنا أيضا لإعداد هذا التقرير.
ما هي جريمة الاختطاف في السعودية؟:
في تعريفها المجرد لها، تصف (وزارة الداخلية السعودية) جريمة الخطف بأنها: ((تعمد الجاني إبعاد المخطوف عن ذويه الذين لهم حق رعايته وقطع صلتهم بهم مهما كان غرضه من ذلك، وغالبا ما تقع جريمة الخطف على الأطفال من الإناث والذكور حديثي العهد بالولادة وحتى سن المراهقة، كما تقع جريمة الخطف على الإناث في أي مرحلة سنية.
ويمكن أن يكون دافع خطف الأطفال الإتجار بهم وبيعهم لمن حرمهم الله من الإنجاب، أو طلب الفدية من أهلهم، وقد يكون الخطف بقصد سرقة الحلى الذهبية أو النقود، كما قد يكون الخطف وخاصة للإناث بقصد إرتكاب جريمة غير إخلاقية، كما يمكن أن يكون الدافع على الخطف أغراضا أخرى كالانتقام)).
والحقيقة أن هذا التعريف يكشف لنا واحدة من أهم صفات جريمة الاختطاف، ونعني هنا أنها من الجرائم (المركبة).
فهي جريمة قد يسبقها جريمة (إعداد مخدر على سبيل المثال)، وقد يصاحبها جريمة (الاعتداء على المخطوف أو من يصاحبه لتسهيل الخطف)، وقد يتبعها جريمة (مثل تشغيل المخطوف أو طلب فدية أو الاعتداء عليه بالضرب أو احتجازه كرهينة .. إلخ).
عقوبة الخطف في السعودية:
من التوضيح السابق نستنتج أنه لتحديد عقوبة الخطف في السعودية، يجب الإحاطة بكافة الظروف التي سبقته وصاحبته وكذلك ما حدث بعده، فكل واقعة لا تشبه الأخرى.
أيضا فقد خلت الأنظمة السعودية من تحديد نصوص معينة تعاقب على جريمة الخطف بالتحديد، ولما تم ذكرها ذكرت في معرض الخطف لهدف الإتجار بالبشر.
لذا فإن الواقع العملي يشير إلى أنه وبعد نجاح الشرطة في إلقاء القبض على الخاطف أو الخاطفين في أي قضية، فإنها تحيلهم إلى (النيابة العامة) التي تتولي التحقيق وتحديد ما حدث بالضبط وذلك تمهيدا لمحاكمتهم.
وبالمناسبة فإن جرائم الخطف مدرجة ضمن (الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف)، بمعني أن المتهمين فيها لا يتم إطلاق سراحهم حتى موعد المحاكمة، بل يتم إيداعهم في الأماكن المخصصة للاستيقاف حتى محاكمتهم وصدور حكم بحقهم سواء البراءة أو الإدانة.
في المحاكمة، يحدث مراجعة لكل ذلك، وتوضيح الحقيقة ومعرفة تفاصيل واقعة الاختطاف لمعرفة دوافعها وأسبابها، وما حدث بالتوازي معها أو بعدها، وذلك لتحديد العقوبة الملائمة لها.
ذلك لأن المحاكم السعودية وعندما تحاكم المتهم بالخطف تنظر أولا هل كان الخطف هو الجريمة الوحيدة فتكون العقوبة تحت باب (التعزير) الذي تقدره المحكمة، أم هل ارتبط بها جريمة أخرى، فتكون العقوبة تحت باب (حد الحرابة).
لذا فإننا سنحاول حصر صور جريمة الخطف وعقوباتها في السعودية على النحو التالي مستشهدين بالسوابق والأحكام القضائية السابقة:
جريمة الاختطاف للاتجار بالبشر:
قد يكون الهدف من الاختطاف هو الإتجار بالمخطوف، وهنا تكون النصوص العقابية هي نصوص (نظام مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص).
ولا فارق في هذه الحالة ما هو نوع الإتجار بالبشر الذي تم الخطف بسببه، فهناك من يختطف أطفال ليقوم بتشغيلهم في التسول، وهناك من يختطف فتيات ليجبرهن على ممارسة الدعارة.
فطالما كان الغرض هو الإتجار بالبشر تكون العقوبة حسب (المادة الثانية) من (نظام مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص) يعاقب كل من ارتكب جريمة الإتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معا.
جريمة الاختطاف بهدف القتل:
هذه الجريمة يصنفها فقهاء الشريعة الإسلامية من الجرائم التي تستحق (حد الحرابة) لأن هذه الجريمة بهذا الشكل تعتبر من صور الإفساد في الأرض.
والدليل على ذلك من قوله تعالى: ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) {الآية ٣٣ : سورة المائدة}.
وبهذا تكون المحاكم في السعودية على نفس القول الذي قاله شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر الراحل (جاد الحق علي جاد الحق) والذي رأي أن الحرابة لا يشترط أن تكون في الصحراء فقط، وهو أيضا رأي بعض السادة المالكية.
وفي هذه الحالة يعاقب الفاعل بحد القتل.
جريمة الاختطاف بهدف التبني:
وهذه الصورة تنطبق كثيرا على القضية المعروفة باسم (خاطفة الدمام) والتي خطفت ٣ أطفال من ذويهم وأخفتهم لمدة تصل إلي ربع قرن من الزمان وحاولت تزوير أوراق رسمية تثبتهم إلي رجال غير آبائهم.
وهذه الجريمة بالتحديد تكشف لنا عن قاعدة قانونية مهمة فيما يتعلق بجرائم الخطف في النظام السعودي، وهي أنها تصنف ضمن (الجرائم المستمرة).
![]() |
في قضية (خاطفة الدمام) قامت الجانية بأخذ الأطفال الثلاثة من مستشفى، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل. |
والجرائم المستمرة هي الجرائم التي يمتد فيها الفعل الغير مشروع -الخطف في حالتنا- وذلك عن طريق استمرار الجاني في ارتكابه.
هذه النتيجة مستمدة أن وقائع خطف الأطفال الثلاثة كانت قد مر عليها أكثر من عشرين سنة ومع ذلك لم يمنع من محاكمة الفاعلة بل وتنفيذ حكم الإعدام بحقها.
جريمة الاختطاف بهدف إرهابي:
ومثال ذلك الخلية الإرهابية التي خططت لخطف قضاة في المحكمة الجزائية، وتم الحكم عليهم بالسجن لمدة ١٦ عام.
هذا الحكم طبقت فيه المحكمة نص المادة الأربعين من (نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله)، والتي نصت على: ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاثين سنة ولا تقل عن عشر سنوات كل من اختطف شخصا أو احتجزه أو حبسه أو هدد بأي من تلك الأفعال تنفيذا لجريمة إرهابية أو جريمة تمويل إرهاب، وللمحكمة المختصة أن تحكم بالقتل إذا اقترن أيا من تلك الأفعال باستعمال أو إشهار أي من الأسلحة والمتفجرات)).
وإن كان هذا الحكم بالتحديد قد شمل كذلك اتهامات أخرى مثل الانضمام إلى تنظيم إرهابي (بالتحديد كان تنظيم القاعدة).
جريمة الاختطاف بهدف الاغتصاب:
في هذه الحالة غالبا ستقضى المحاكم السعودية بإعدام الجاني، وهذا الحكم بالإعدام يكون تنفيذا لحد الحرابة.
والأمثلة على ذلك متعددة ونذكر منها:
- الحكم بالإعدام بحق مواطن سعودي إدين باختطاف طفلة واغتصابها في عام ٢٠٠٠، وكان المتهم في هذه القضية قد ثبت أيضا ارتكابه عدة جرائم سرقة علاوة على تعاطي الخمر والمخدرات.
- الحكم بالاعدام حدا في تبوك سنة ١٤٣٨ ه ضد مواطن سعودي قام باختطاف طفلتين قصر وفعل بهم الفاحشة بالقوة.
- الحكم بالاعدام ضد مواطن سعودي قام باختطاف فتاة قاصر وفعل الفاحشة بها بالقوة سنة ٢٠٢٤ / ١٤٤٦ ه.
اختطاف طفل من الحاضن:
عقب الطلاق، وحينما يكون هناك أطفال لا يزالون تحت سن البلوغ ويحتاجون للحضانة والرعاية، فإن هناك حاضن يكون مسؤول عنهم.
وكنا قد سبق أن أعددنا تقرير بعنوان ""إجابة كل شئ عن ((حضانة الأطفال بعد الطلاق في نظام الأحوال الشخصية السعودي))''"، وضحنا فيه كل النقاط المهمة في هذه المسألة ومنها مسألة رؤية الطرف غير الحاضن لأولاده.
لذا فقد نظم النظام في السعودية هذه المسألة، وبالتالي فعندما يقوم الطرف غير الحاضن بخطف أبنه أو بنته، فإن النظام يعتبره مرتكبا لجريمة الخطف.
وهذا ما أنتهى إليه حكم (محكمة التنفيذ) التي قضت بسجن أب خطف ابنه من طليقته.
عقوبة محاولة الخطف في السعودية:
إذا تم القبض على الخاطف خلال تنفيذ محاولته أو بعدها دون أن يكون قد نجح في محاولته، ففي الغالب الأعم تقضي المحاكم السعودية بعقوبة الحبس والتي تأتي في معظم الأحيان بين سنتين إلى ثلاث سنوات.
أيضا قد يكتفي القاضي بعقوبة الحبس عدة شهور، ويرجع ذلك لتقدير المحكمة وظروف القضية.
البراءة من تهمة الاختطاف في السعودية:
لكن مهلا، فجريمة الخطف أو الاختطاف، مثلها مثل أي جريمة أخرى، قد تكون ملفقة أو بناء على اتهامات كيدية، فليس كل متهم بها يكون قد أرتكبها فعلا.
وهذا يحدث أحيانا بالفعل ومنه حكم (محكمة استئناف مكة) القاضي ببراءة رجل أعمال من اختطاف واغتصاب إحدي السيدات داخل وحدة عقارية كان يملكها.
في مثل هذه القضية وبعد الحكم برد الاعتبار للمتهم، يجوز أن تتم محاكمة من قام بإتهامه بتهمة (البلاغ الكيدي).
كلمة قبل الختام:
وفي النهاية فإننا نأمل وضمن ما يتم إصداره حاليا من أنظمة في المملكة العربية السعودية أن يتم إعداد وإصدار نظام خاص بجريمة الخطف أو أن يتم نظام عقوبات متكامل كما هو الحال في بقية الدول الخليجية والعربية توضع فيه كافة الجرائم والعقوبات المقررة لها.
إن ذلك النظام سيضمن توحيد العقوبة بدلا من تركها تختلف من حالة إلى أخرى حسب تقدير كل قاضي وتوصيفه للواقعة.
أيضا فإننا ننصح أي شخص تعرض لخطف أحد من ذويه التواصل فورا مع الشرطة، والكشف الفوري لرجال الشرطة عن أي تواصل بينهم وبينه، وذلك تجنبا للمساءلة القانونية كما حدث في إحدي القضايا التي تم التحفظ فيها على والد طفلة مخطوفة أخفى تواصله مع الخاطفين عن الشرطة.
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
ولأي استشارات بشأن جريمة الخطف في السعودية .. أو أي استشارات قانونية في أي دولة من دول الخليج العربي.. يسعدنا في "القانون في الخليج" تلقي استفساراتكم عبر صفحة (اتصل بنا) حيث نقدم إجابات شاملة ومجانية لمدة ٣ أيام على الأقل.
كما لا تنسوا متابعتنا على منصاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي:
وفي الختام سلام عليكم..
إرسال تعليق