الأخطاء الطبية (باللغة الإنجليزية: Medical errors)، تمثل حالة خطيرة وتشكل تهديدًا لسلامة المرضى.
يجب أن يكون هناك تحديد دقيق للخطأ الطبي قبل الحديث عن المسؤولية عنه، Public Domain. |
جمعنا بين دفتي هذا التقرير، ما تناثر من الأحكام القانونية التي تنظم التعامل مع الأخطاء الطبية في دولة الكويت.
ما هو الخطأ الطبي؟:
قضية الأخطاء الطبية بشكل عام هي قضية معقدة، فإذا استمعنا إلي الأطباء سنجدهم يقولون أنه لا يوجد طبيب يتعمد الأذي للمريض، علاوة على أنه وفي النهاية فإن الأطباء بشر مثلهم مثل غيرهم، قد يقع منهم أخطاء خلال العمل.
فيجيب أصحاب وجهة النظر الأخرى بأن الخطأ الطبي قد يكون جسيما، وقد يكون إهمالا، بل وقد يكون جهلا.
فيرد الأطباء أنه وحتى إذا افترضنا وقوع الخطأ فما هو (الحكم) الذي يحدده ويكشفه أمام القضاء للحكم فيه؟.
ومن هنا كان (جهاز المسؤولية الطبية) الصادر بموجب القانون رقم ٧٠ لسنة ٢٠٢٠ بشأن مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها وحقوق المرضي والمنشآت الصحية.
هذا الجهاز هو المختص دون غيره بإبداء الرأي الفني في كافة الموضوعات التي تعرض عليه من خلال الشكاوى والبلاغات والمحاضر والتقارير والقضايا والدعاوى المتعلقة بالأخطاء الطبية والمخالفات المهنية المرتكبة من قبل مزاولي المهنة، أو المنشآت الصحية او مديريها من حيث تحقق الخطأ الطبي أو المخالفة المهنية من عدمه سواء في القطاع الحكومي أم الأهلي.
معيار أو كيفية إثبات الخطأ الطبي:
ما نود الإشارة إليه هنا هو قاعدة ((أن الطبيب ملزم ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة)).
فالشفاء من عدمه هو مسألة في أمر الشافي المعافي لا شريك له .. أما الطبيب فهو ملزم بأن يبذل العناية وفقا للمعايير والأصول الطبية المتبعة.
أو كما جاء بنص البند ١ من المادة ٩ من القانون رقم ٧٠ لسنة ٢٠٢٠ فإن الطبيب ملزم بأن يؤدي واجبات عمله وفقا للأصول العلمية والفنية المتعارف عليها في مجال الطب وقواعده الأساسية.
فإن هو فعل ذلك فلا وجود لأي مسؤولية عليه .. فهو ليس ملزم بتحقيق نتيجة.
لذا فمن المهم حين فحص أي قضية، أن لا نعتمد على النتيجة أو على الحالة التي وصل إليها المريض لنقول أن هناك (خطأ طبي)، بل يجب أن يكون هناك تحديد دقيق وواضح لوجود إهمال أو رعونة أو عدم اتباع لقواعد علم الطب.
فمثلا الطبيب الذي لم يراعي درجته ومستواه وتخصصه العلمي والعملي وخبرته المهنية في ادائها، فهذا أرتكب خطأ طبيا واضحا.
كمثال الطبيب حديث التخرج الذي يجري جراحة أو غير ذلك من الأشياء التي لم يؤهل لها بعد.
الخطأ الطبي المؤدي إلي الوفاة في القانون الكويتي:
نبدأ مع أشد حالات الخطأ الطبي .. وهي تلك التي تؤدي إلي فقدان المريض حياته.
نجد هذه الحالة بمطالعة المادة رقم ١٥٤ من قانون الجزاء الكويتي والتي تنص على:
((من قتل نفسا خطأ أو تسبب في قتلها من غير قصد، بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة للوائح يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز مائتين وخمسين دينارا أو بإحدي هاتين العقوبتين)).
هذا النص منطبق تماما على الأخطاء الطبية المؤدية للوفاة.. لكن مهلا، فليس كل مريض يموت أثناء تلقيه العلاج أو حتى خلال إجراء عملية جراحية نعتبره قد مات بخطأ طبي.
إذ أن النص يفترض حدوث الوفاة نتيجة رعونة الطبيب أو تفريطه أو إهماله أو عدم مراعاته للوائح والقواعد الطبية.
وهذا أيضا ليس من الأشياء الخاضعة لتقدير الأفراد العاديين، بل يجب حين الشك فيها عمل محضر وترك الأمر للنيابة العامة والقضاء للفصل فيه.
فإذا ما ثبت بعد ذلك أن الوفاة كانت نتيجة لخطأ طبي، فإن للقاضي أن يحكم بحبس الطبيب مدة لا تجاوز ٣ سنوات وبغرامة لا تجاوز مائتين وخمسين دينارا .. كما يجوز له أن يكتفي بالحكم بعقوبة واحدة منهما، ويرجع ذلك لتقديره وظروف وملابسات كل قضية.
الخطأ الطبي المؤدي إلي جرح أو أذي المريض في القانون الكويتي:
لكن ليست كل الأخطاء الطبية تؤدي إلي الوفاة .. فهناك خطأ طبي ينتج عنه جرحا أو حتى أذي للمريض، وربما يكون أذي المريض هو أكثر نتائج الأخطاء الطبية شيوعا.
هذه الحالات أيضا يوجد لها نص المادة رقم ١٦٤ من قانون الجزاء، والتي تنص على: ((كل من تسبب في جرح أحد أو إلحاق أذى محسوس به عن غير قصد بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة للوائح يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز خمسة وسبعين دينارا أو بإحدي هاتين العقوبتين)).
وهذه الحالة أيضا تتطلب أن يكون الجرح أو الأذي ناتج عن رعونة رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة للوائح.
يعاقب قانون الجزاء الكويتي على الأخطاء الطبية في حالات معينة وبعد إثبات حدوث إهمال أو رعونة أو عدم مراعاة للوائح، صورة من RDNE Stock project، via pexels. |
فليس كل جرح أو أذي يصنف باعتباره خطأ طبيا.
ولنضرب مثالا على ذلك من واقعة شاهدتها أنا بنفسي، واختصارها أن طبيبا أعطي لأحد أقاربه حقنة لابد أن يجري قبلها اختبارا للتأكد من أنه لا يعاني من حساسية منها حتى لا تؤثر على جهازه التنفسي بشكل قد يؤدي لوفاته، وهذا ما حدث فعلا .. لقد كان يعاني من الحساسية تجاه الحقنة.
بحمد اللَّه تم إنقاذ الرجل ليلتها وتم وضعه تحت جهاز التنفس الصناعي بعدما كاد يفقد حياته.
نعم لم يتقدم بشكوى ضد الطبيب لأنه قريبه .. لكن هذه الواقعة يتحقق فيها تصرف الطبيب برعونة وتفريط وإهمال وهي مثال عملي واضح على (الخطأ الطبي).
وبالطبع لا ننسي الإشارة إلي أحد أكثر الأخطاء الطبية شهرة في هذا المجال وهو ما قد يكون سمع عنه الكثيرون من نسيان قطعة قماش أو قطن بعد إجراء العملية الجراحية وإغلاق الجرح.
التعويض عن الخطأ الطبي في القانون الكويتي:
ونتابع بحثنا في القوانين الكويتية المختلفة عن (الخطأ الطبي) وهذه المرة مع القانون المدني، وبالتحديد المادة رقم ٢٢٧ منه والتي نصت على: ((كل من أحدث بفعله الخاطئ ضررا بغيره يلتزم بتعويضه، سواء أكان في إحداثه الضرر مباشرا أو متسببا)).
إن هذا النص يجعل من الجائز في حالة إثبات وقوع "خطأ طبي" وأنه نتج عنه "ضرر" للمريض، رفع دعوى للمطالبة بالتعويض.
حالة وقوع الخطأ الطبي من أكثر من شخص:
في بعض الحالات يحدث الخطأ الطبي بشكل جمعي.
مثلا قد يرتكبه الطبيب والمستشفى الذي يجري بها جراحة تحتاج إلي أن تكون غرفة العمليات مهيأة بأجهزة طبية معينة لا يستخدمها إلا في حالات نادرة، فيقبل الطبيب إجراء الجراحة بدونها.
في هذه الحالة نطبق حكم الفقرة الأولى من المادة ٢٢٨ من القانون المدني الكويتي التي جعلت في حالة تعدد الأشخاص (طبيعيين أو اعتباريين) الذين حدث الضرر نتيجة لخطأ منهم، يلتزم كل منهم بتعويض الضرر.
التعويض عن الخطأ الطبي من طبيب زائر:
في دولة الكويت هناك استقدام لمن يعرفون باسم (الأطباء الزائرين) والذين يكونون عادة نخبة من أفضل الأطباء في مجالات مختلفة، وبعضهم يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة.
لكن حتى أفضل الأطباء يظلون بشرا .. ومن المتوقع أن يرتكبون الأخطاء، فما هو الوضع إذا ما وقع الخطأ منهم؟.
في هذه الحالة فإن ((التعويض)) يكون على مسؤولية من استقدمه كما جاء في نص المادة السابعة من قانون رقم ٧٠ لسنة ٢٠٢٠، سواء كانت وزارة الصحة أو أي جهة حكومية أخرى أو منشأة صحية أهلية.
ولا يحول ذلك دون الرجوع أيضا على الطبيب الذي أرتكب الخطأ نفسه، فيتم رفع دعوى التعويض ضد كليهما معا.
التعويض عن الخطأ الطبي في أحكام القضاء الكويتي:
لقد توسع القضاء الكويتي في مجال التعويض عن الخطأ الطبي حتى شمل التعويض عن أشياء مثل: (التشخيص الخاطئ) و (الأضرار المعنوية) حتى ولو لم يكن هناك ضرر مادي.
من ذلك حكم (محكمة الاستئناف المدنية) في نوفمبر عام ٢٠٢٣ لصالح مواطنة كويتية ضد مستشفى خاص، يقضي بأن تدفع لها المستشفى ٨٨٠٠ دينار كويتي تعويضا أدبيا وأتعاب محاماة بسبب (خطأ في التشخيص).
ولعل هذه القضية تثير سؤال حول ...
كم هو مبلغ تعويض الخطأ الطبي في الكويت؟:
بينما وصلت بعض المبالغ في أحكام قضايا التعويض عن الأخطاء الطبية إلي ١٠ وحتى ٢٥ ألف دينار كويتي، فإن أحكام أخرى قد جاءت بمبالغ أقل من ذلك.
معيار تحديد مبلغ التعويض هو (مدى الضرر) الذي لحق بالمريض، و (درجة الخطأ) التي ارتكبها الطبيب، لذا نجد هذه الاختلافات في مبالغ التعويض.
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
وفي الختام سلام عليكم..
إرسال تعليق