يقول عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)) صدق اللَّهَ العظيم.
بعد هذه الآيات الكريمات من سورة المائدة كان ينبغي أن نتوقف ونقول انتهي الأمر ... لكن وللأسف الشديد فهناك البعض الذين لا يوقفهم النهي الإلهي ويحتاجون إلي الردع بصور أخرى.
منها الآثار الطبية الشديدة التي قد تصيب من يمارس القمار مثل (القمار القهري) أو (اضطراب القمار) وهو الرغبة التي لا يمكن السيطرة عليها للاستمرار في المقامرة على الرغم من الضرر الذي يلحقه بحياة المقامرين.
على عكس ما يتردد من شائعات، فإن ممارسة القمار في الإمارات جريمة يعاقب عليها القانون، صورة من Needpix، ThorstenF، Public Domain. |
آخرين لا يمنعهم النهي الإلهي ولا حتى الأثر الطبي بل وما شهدنا من حالات فقر بعد غنى أصابت الكثيرين ممن انزلقوا في فخ القمار والمراهنات، ويحتاجون إلي الردع القانوني.
ومن الأسئلة التي يكثر طرحها ((هل القمار ممنوع في الإمارات؟)) .. والبعض يسأل بشكل أكثر تخصيصا عن ((هل المقامرة في دبي غير قانونية؟)) وأسئلة أخرى مثل: ((هل يوجد صالات قمار في الإمارات؟)).
في هذا التقرير من ((القانون في الخليج)) نرصد تجريم وعقوبات ممارسة القمار والمراهنات في الإمارات.
هل القمار والمراهنات ممنوعة في الإمارات؟:
خصص المشرع الإماراتي فصلا كاملا من المرسوم بقانون اتحادي رقم ٣١ لسنة ٢٠٢١ بإصدار قانون الجرائم والعقوبات تحت عنوان ((ألعاب القمار))، وهو الفصل السادس من الباب الثامن الخاص بالجرائم الواقعة على المال.
في هذا الفصل وضع المشرع الإماراتي أربعة مواد تمنع وتعاقب على أفعال القمار والمراهنات المختلفة.
ما هي ألعاب القمار أو الرهان المجرمة في القانون الإماراتي؟:
لقد عرفت المادة رقم ٤٦٠ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي ألعاب القمار المجرمة بأنها: ((هي الألعاب التي يتفق كل طرف فيها بأن يؤدي إذا خسر اللعبة إلي الطرف الذي كسبها مبلغا من النقود أو أي شيء آخر اتفق عليه)).
هذا التعريف يجعل الألعاب المجردة التي لا يتم فيها الاتفاق على مقابل يدفعه الخاسر خارج إطار التجريم، وهو بهذا الشكل يتماشي أيضا مع الشريعة الإسلامية التي ما حرمت القمار والمراهنات إلا بسبب ما يدفع فيها من مال.
ما هي عقوبة الذي يلعب القمار أو يراهن في الإمارات؟:
حددت المادة ٤٦١ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي عقوبة ((كل من لعب القمار)) في دولة الإمارات فجعلته ((الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تزيد على خمسين ألف درهم)).
وهذا النص يلاحظ عليه أكثر من ملحوظة:
- الأولى:
أن النص استخدم عبارة ((كل من لعب القمار)) وهذا يعني من فاز ومن خسر، فلا يعفي من العقوبة أن الشخص قد خسر الرهان.
- الثانية:
أن النص استخدم كلمة ((أو)) عندما ذكر العقوبة، فأعطي الحرية للقضاء أن يختار عقوبة من بينها، وهذا يعني أنه لا يجوز الجمع بين العقوبتين، بل يكتفي بواحدة فقط.
- الثالثة:
عندما يقول النص الحبس مدة لا تزيد على سنتين فإنه يكون قد حدد ((الحد الأقصى للعقوبة)) إذا ما قرر القاضي اختيار العقوبة السالبة للحرية، ولكي نعرف ((الحد الأقل للعقوبة)) فإننا نستمد ذلك من الفقرة الثانية من المادة ٧٠ من ذات القانون والتي حددت أنه لا يجوز أن يقل الحد الأدنى للحبس عن شهر، وهكذا يمكن القول بأن عقوبة القمار والمراهنات في الإمارات هي الحبس الذي لا يقل عن شهر ولا يزيد عن سنتين، وذلك إذا قرر القاضي أن يحكم بالحبس وليس بالغرامة.
- الرابعة:
عندما يقول النص أن الغرامة التي لا تزيد على خمسين ألف درهم، فإننا نحدد الحد الأدنى الذي لا تقل عنه الغرامة بحسب ما ورد في المادة ٧٢ والتي جعلت من غير الجائز أن تقل عقوبة الغرامة عن ألف درهم إماراتي، وهكذا يمكن القول بأن عقوبة القمار والمراهنات في الإمارات هي الغرامة التي لا تقل عن ألف ولا تزيد عن خمسين الف درهم، وذلك في حالة إذا ما قرر القاضي أن يحكم بالغرامة وليس بالحبس.
حالة حدوث الفعل في صالات قمار في الإمارات:
نفس المادة رقم ٤٦١ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي لكن في فقرتها الثانية شددت العقوبة إذا ما وقعت الجريمة في: ((مكان عام / مكان مفتوح للجمهور / محل أو منزل أعد للعب القمار)).
في هذه الحالة تصبح العقوبة الحبس أو الغرامة.
أصبح القمار والمراهنات حتى في مباريات كرة القدم والمنافسات الرياضية، صورة من FMT، CC BY 4.0. |
وهنا قد يسأل البعض .. إذن ما هو الفارق؟ .. لقد كرر النص نفس العقوبة تقريبا، وهنا نقول أن كل تغيير في النصوص القانونية مهما كان ضئيلا قد يؤدي إلي فارق كبير.
هذا التعديل ولأنه ذكر كلمة الحبس أو الغرامة.. ثم سكت ولم يحدد مدة زمنية أو قيمة مالية معينة.
فإنه وبهذا الشكل يجعل العقوبة مفتوحة إلي حدها الأقصي في قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي، كما وردت في المادة ٧٠ بالنسبة لعقوبة الحبس، والمادة ٧٢ بالنسبة لعقوبة الغرامة.
فتصبح عقوبة لعب القمار والمراهنات في صالات قمار أو أماكن معدة لذلك داخل دولة الإمارات هي الحبس الذي لا يزيد حده الأقصى عن ثلاث سنوات أو الغرامة التي لا تزيد حدها الأقصى عن خمسة مليون درهم.
أما العبرة في تشديد العقوبة مع أن الفعل واحد ولكن الفارق أنه هو تمت ممارسته في علانية، وهذا ما يعد في الشريعة وكذلك في القوانين نشرا للفساد وتشجيعا عليه.
عقوبة فتح أو إدارة محل للعب القمار والمراهنات في الإمارات:
كانت المواد السابقة تتعلق بلعب القمار أو المراهنات .. لكن بالنسبة لمن يدير صالات القمار وأماكن المراهنات فقد تشدد المشرع الإماراتي معه أكثر من ذلك وهذا طبيعي لأنه هو المصدر الذي تنبع منه كل المشكلات.
فنجد في المادة ٤٦٢ من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي أن كل من:
- فتح أو أدار محلاً للعب القمار وأعده لدخول الناس.
- وكذلك كل من نظم أية لعبة من ألعاب القمار في مكان عام أو مفتوح للجمهور أو في أي محل أو منزل أعد لهذا الغرض.
هؤلاء تكون عقوبتهم هي السجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف درهم إماراتي.
العقوبات التبعية لجريمة القمار والمراهنات في الإمارات:
ختم المشرع الإماراتي هذا الفصل الذي خصصه بالكامل كما قلنا لألعاب القمار والمراهنات بالعقوبات التبعية.
جاء ذلك في المادة ٤٦٣ وهذا نصها: ((في جميع الأحوال تضبط النقود والأدوات التي استعملت في لعب القمار ويحكم بمصادرتها كما يحكم بإغلاق المحل أو المكان الذي أعد للعب القمار، ولا يصرح بفتحه إلا إذا أعد لغرض مشروع وبعد موافقة النيابة العامة)).
وهذه العقوبة التبعية الأخيرة (إغلاق المحل وعدم التصريح بفتحه إلا لغرض مشروع وبموافقة النيابة العامة) هي نفسها من العقوبات التبعية المقررة على جريمة إدارة محل للدعارة بالإمارات.. وتفاصيل ذلك تجدونها في تقرير: ((حالات وعقوبة جريمة الدعارة في الإمارات العربية المتحدة)).
أما ما قد يشكل مفاجأة للجميع لمن يكسب القمار والمراهنات أو لمن يخسرها أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي يجعل لمن خسر في مقامرة الحق في أن يسترد ما دفعه خلال ست شهور، وله أن يثبت ما دفعه بكافة طرق الإثبات، ومنها ((شهادة الشهود - الكتابة - غيرها من الطرق)).
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
وفي الختام سلام عليكم..
إرسال تعليق