حالات وشروط تفتيش المنازل في القانون القطري
حرص المشرع القطري على توفير الحماية والحرمة لمنازل الناس.
فالمنزل هو المكان الذي يأوي إليه الناس، فيه عوراتهم، وأسرارهم، وأموالهم، ولذا فلا يجوز كشف ستره بسهولة.
فالناس في قطر لهم عاداتهم وتقاليدهم، حتى لو جاءهم ضيف أو قريب لزيارتهم، فإنهم يحرصون على دخوله في مكان معين وبقاءه فيه، وعدم كشف ستر بقية أنحاء المنزل ومن يعيشون فيه.
لهذه الأسباب حمي المشرع القطري حرمة المنازل، ومنع تفتيشها إلا بإذن من النيابة صدر خصيصا لتفتيش المسكن، أو في حالات مثل (الضرورة أو التلبس).
فكان هذا الأذن وحالتي الضرورة والتلبس، كانوا بمثابة ((الحل الوسط)) الذي يقف بين حق الفرد في حماية ستر بيته وحرمته، وبين حق المجتمع في كشف الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.
في هذا التقرير من ((القانون في الخليج)) ندرس حالات تفتيش المنازل في القانون القطري، والشروط والإجراءات المتبعة في كل حالة.
ما هي المنازل التي لا يجوز دخولها حسب القانون القطري؟:
تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، لا يجوز إلا بإذن من النيابة العامة، صورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot، خاصة بالقانون في الخليج. |
طالما أتفقنا أن العبرة من عدم جواز تفتيش المنازل هو الحفاظ على حرمتها وخصوصية أهلها، فبالتالي يكون من المنطقي أن تقتصر هذه الحماية على المنازل المسكونة أو كما عبرت عنها المادة ٤٩ من قانون الإجراءات الجنائية القطري (محل مسكون).
ويستوي في ذلك أن يكون مسكونا بشكل دائم أو حتى مؤقت.. المهم أن يكون صاحبه يستغله لبعض الوقت في سكنه.
وهذا ما جاء واضحا في الفقرة الثانية من المادة ٧٥ من ذات القانون حين نصت على: ((ويجوز أن ينصرف الإذن إلي كل مسكن يحوزه المتهم أو يقيم فيه ولو بصفة غير دائمة)).
وهكذا فإنه وبمفهوم المخالفة، فإن المنازل الفارغة أو التي لا تزال تحت الإنشاء أو المغلقة طوال الوقت، لا تحظى بهذه الحماية، ببساطة لأنه لا يوجد ما يستر فيها من خصوصيات أو حرمات.
تفتيش المنازل في حالة الضرورة في قطر:
الحالة الأولى من الحالات التي يجوز فيها تفتيش المنازل في قطر وحتى بدون اشتراط إذن من النيابة العامة بذلك هي حالة ((الضرورة)).
لقد ورد ذلك في نص المادة ٤٩ من قانون الإجراءات الجنائية القطري.
فبعدما نصت هذه المادة على عدم جواز دخول رجال السلطة العامة إلي أي (محل مسكون) إلا في حالتي الضرورة أو حالة طلب المساعدة من داخل المنزل نفسه (كأن يشب فيه حريق أو يكون بداخله مريض يحتاج لنقله إلي المستشفى).
بعد ذلك، أوضحت هذه المادة أن من حالات الضرورة ((دخول المساكن بقصد تعقب شخص صدر أمر بالقبض عليه أو تفتيشه من السلطة المختصة)).
فعلي سبيل المثال، شخص ارتكب جريمة ما، وأصدرت النيابة العامة أمرا بالقبض عليه، وعندما خرج من منزله وجد رجال الشرطة في انتظاره، فأسرع عائدا إلى منزله، فهنا يجوز دخول المنزل للقبض عليه، حتى لا يحول مسكنه إلى مكان يفر فيه من العدالة.
إذن النيابة العامة لتفتيش المنازل في القانون القطري:
إذا نظرنا إلى القانون رقم ٢٣ لسنة ٢٠٠٤ بإصدار قانون الإجراءات الجنائية القطري سنجده قد اعتبر تفتيش المنازل ((عمل من أعمال التحقيق)).
وبناء على ذلك، فقد جعلت المادة ٧٥ من هذا القانون تفتيش المنازل "عمل غير جائز إلا بإذن كتابي من النيابة العامة".
فلا يجوز لرجال الشرطة القيام به من تلقاء أنفسهم.
أيضا أوجبت ذات المادة أن يكون إذن تفتيش المنزل الصادر من النيابة العامة (مكتوبا) فلا يجوز الحصول عليه (هاتفيا) أو (قوليا).
شروط صحة إذن النيابة العامة بتفتيش المنازل في قطر:
نواصل مع المادة ٧٥ من قانون الإجراءات الجنائية القطري، والتي وضعت عددا من الشروط اللازمة ليكون إذن النيابة العامة بتفتيش أحد المساكن قانونيا وصحيحا.
وهذه الشروط هي:
- أن يصدر الإذن بناء على تحريات تكشف أن من يقيم في المنزل أو من يستأجره ارتكب جناية أو جنحة، أو شارك في ارتكاب أيا منهما، أو وجود قرائن تدل على أنه يخفي أو يحوز على أشياء تتعلق بجريمة ما. فلا يجوز أن تصدر دون ذلك.
- يجب أن يحتوى الإذن على البيانات التالية: (اسم ممثل النيابة العامة الذي أصدر الإذن، تاريخ الإذن، المكان المراد تفتيشه).
لا يجوز أن يجري تفتيش المنازل وفقا للقانون القطري إلا في ساعات النهار، ومع ذلك فهناك حالات استثنائية سنوضحها في هذا التقرير، صورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot، خاصة بالقانون في الخليج. |
أهمية هذه الشروط أنه إذا تغيب أي شرط منها، بطل الإذن، وبناء على قاعدة (ما بني على باطل فهو باطل)، فإنه يبطل كل نتيجة للتفتيش، ولو حتى عثر رجال الشرطة على أي شيء يدين صاحب المنزل قانونا.
كما أن تفتيش المنزل في غيبة صاحبه يكون صحيحا استنادا إلي الأذن الذي صدر، وذلك لأن الفقرة الرابعة من المادة ٧٥ نصت على: ((ويكون التفتيش في حضور المتهم أو من ينيبه كلما أمكن ذلك))، فلم تشترط وجود المتهم في منزله وقت التفتيش.
حالة التلبس كمبرر لتفتيش المنازل في القانون القطري:
جاءت المادة رقم ٥٠ من قانون الإجراءات الجنائية القطري لتجعل من حق مأمور الضبط القضائي (أي رجال الشرطة) أن يقوموا بتفتيش منزل المتهم في حالة التلبس ببعض من الجنايات التي حددتها المادة بشكل حصري.
لكن، وقبل أن نعرض لهذه الجنايات، فإننا نوضح أولا .. ما هو مفهوم التلبس في القانون القطري؟.
ويمكن أن نحصره في أربعة صور كما فعل وكيل النيابة القطري (أحمد يوسف الكواري) في إطروحته للماجستير ((القبض على المتهم وضماناته في القانون القطري))، يناير ٢٠٢٠ / ١٤٤١ ه، كلية القانون، جامعة قطر.
- مشاهدة الجريمة حال ارتكابها (التلبس الحقيقي).
- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة (التلبس الاعتباري).
- تتبع الجاني من قبل المجني عليه أو العامة إثر وقوع الجريمة.
- مشاهدة أداة الجريمة.
- الجنايات الموجهة ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
- جنايات الإرهاب.
- جنايات القتل العمد.
- جنايات المخدرات.
- الجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر والمتفجرات.
هل يجوز تفتيش المنازل ليلا؟:
وضعت المادة ٥٣ من قانون الإجراءات الجنائية القطري قاعدة فيما يتعلق بتفتيش المنازل ليلا، ثم وضعت بعض الاستثناءات عليها.
أما القاعدة فهي أنه لا يجوز تفتيش المنازل إلا نهارا.
وأما الاستثناءات فهي أنه يجوز تفتيش المنازل ليلا في حالات:
- التلبس.
- إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، على أنه يشترط أن يثبت ذلك في محضر التحقيق.
تفتيش المنازل التي بها نساء:
مثال من (حكم قضائي) على بطلان إذن النيابة العامة:
هذا المثال يأتي من حكم محكمة التمييز القطرية في الطعن رقم ١٦٦ لسنة ٢٠١٣، والصادر بجلسة ١٤ / ١١ / ٢٠١٣.
في هذه القضية، تم تفتيش أحد المنازل، وعثر بداخله على مخدرات بحوزة صاحب المسكن، يمكن في هذا الصدد الإطلاع على تقريرنا: ((جرائم التعاطي والاتجار في المخدرات وفقا للقانون القطري)).
من جميع ما سبق ذكره، فإنه يتضح وبجلاء أنه هناك ثلاث حالات لا رابع لها لتفتيش المنازل في قطر، وهي ((الضرورة - التلبس في بعض الجنايات المحددة حصرا - إذن بالتفتيش من النيابة العامة)).
قام دفاع المتهم بالطعن على حكم محكمة الاستئناف، لأنه لم يرد على ما دفع به أمامها من بطلان إذن النيابة العامة بتفتيش المسكن لأنه جاء بناء على تحريات منعدمة، كما أنه لم يبين حالة (الضرورة) التي دفعت لتفتيش مسكن المتهم ليلا.
وقد رد حكم محكمة التمييز أن القانون لم يلزم محكمة التمييز أن تقوم بذكر أسباب حكمها إذا رأت تأييد الحكم المستأنف أمامها، ويكفيها أن تحيل على الأسباب الواردة في هذا الحكم.
COMMENTS