على الدوام، اعتبرت جريمة القتل من أخطر الجرائم إن لم تكن أكثرها خطورة على الاطلاق، ونظرت المجتمعات طوال التاريخ إلى القتل العمد بالتحديد باعتباره أبشع فعل يرتكبه الإنسان.
فمع للأسف الشديد، لقد عرفنا نحن بني آدم جريمة القتل سريعا جدا، في الجيل الأول للبشرية، عندما قتل قابيل أخاه هابيل.
ننظر اليوم في هذا التقرير من ((القانون في الخليج)) في (جريمة القتل في السعودية) بصورها المتعددة والعقوبات المقررة لها، وإجراءات محاكمة المتهم بها.
جريمة القتل وصورها في القانون السعودي:
يمكن تعريف القتل بإنه: ((إزهاق روح إنسان بفعل إنسان آخر)).
لكن فعل "القتل" نفسه، قد ينقسم إلي عدة أنواع، إذ عرف القانون السعودي ثلاثة أنواع من جرائم القتل، وهي:
- القتل العمد: وهو ثبوت إزهاق روح إنسان قصدا وبغير حق بمقتضي الشريعة (وبهذا يخرج من التجريم من يقتل بحق كمن يقتل من يحاول قتله أصلا، فيكون في حالة "دفاع شرعي عن النفس").
- القتل شبه العمد: فهو حالة يقوم فيها الجاني بإصابة المجني عليه بما لا يقتل في العادة، لكنه يقع قتيلا (مثال: شخص يضرب الآخر بقبضة يده فيصيبه في منطقة حساسة فيموت المعتدي عليه)، فالمعتاد هنا أن اللكمة لا تميت، وكذلك حالة من يلقي حجر صغير على شخص يقصد جرحه لكنه يسقط قتيلا.
- القتل الخطأ: والقتل الخطأ يحدث بدون قصد الجاني إزهاق روح المجني عليه (مثال: من يصدم شخص بسيارته، أو من يكون يصطاد فتصيب طلقته شخصا فيموت، أو من ترك حائط بيته دون أن يصلحه فسقط فوق شخص فمات).
ما هي عقوبة القتل العمد في السعودية؟:
تنص المادة الأولى من (نظام الإجراءات الجزائية السعودي) على: ((تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقًا لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة .. إلخ)).
إذن فإن المحاكم في السعودية تطبق على (جريمة القتل) أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي الطليعة من ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) {الآية ١٧٨ : سورة البقرة}.
فعقوبة القتل في السعودية هي القصاص من القاتل، وكلمة ((القصاص)) تعني مجازاة الجاني بمثل ما فعله، فتصبح (عقوبة الإعدام).
لكن، وفي نفس الوقت، فإن هناك لولي الدم (حق العفو) الذي يسقط عن القاتل عقوبة القصاص، ولكنه يبقي علي القاتل في هذه الحالة دفع (الدية) إذا كان قد عفا بمقابل مالي، كما يبقي ((الحق العام)) وهو ما سنوضحه فيما يلي من هذا التقرير.
لكن المهم الآن أن نقول أنه لدينا عقوبتين لجريمة القتل في السعودية:
- الأولى: القصاص بقتل القاتل.
- الثانية: دفع الدية -بشرط عفو أهل القتيل-.
كم تبلغ دية القتل في القانون السعودي؟:
الأصل في الدية أن تكون من ((الأبل)).
وقد أجاز الفقهاء كذلك أن تكون دية القتل من: ((الذهب أو الفضة أو البقر أو الغنم)) بهذه القيمة:
وتقدر دية القتل في القانون السعودي على هذه الأسس:
- مائة من الابل أو ما يعادلها من المال.
- ألف دينار ذهبي، والدينار الذهبي يعادل مثقال من الذهب، ويجوز دفع هذه القيمة مالا.
- مائتين من الأبقار أو ما يعادلهما مالا.
- ألفان من الغنم أو ما يعادلهما.
فإذا تعدد من ارتكب جريمة القتل، فإن مبلغ الدية يقسم عليهم.
هذا ويتم دفع الدية في حالة القتل العمد أو الخطأ إن قبلها أهل القتيل، وبالنسبة لحالة القتل الخطأ، فذلك أصله في الشريعة الإسلامية قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا)) {سورة النساء: الآية ٩٢}.
عفو أهل القتيل:
بحسب النصوص السابقة، فإن أهل القتيل يجوز لهم العفو عن القاتل، سواء كان القتل عمدا أو شبه عمدي أو قتل خطأ.
ويستمر هذا الحق قائما منذ لحظة توجيه الاتهام وحتى ما قبل تنفيذ حكم القصاص فيه.
ولعل الكثيرون يتذكرون الواقعة التي قام فيها والد الشاب ( أحمد القريقري الحربي) بالعفو عن قاتل أبنه في ساحة القصاص في جدة.
وعفو أهل القتيل عن القاتل، بدوره ينقسم إلى نوعين:
- النوع الأول: عفو مقابل دفع الدية.
- النوع الثاني: عفو بلا مقابل لوجه الله تعالى.
هذا ويملك الحق في العفو كل ورثة القتيل، ويكفي في هذه الحالة أن يعفو واحد منهم فقط.
الحق العام في قضايا القتل في السعودية:
لا يعني قبول أهل القتيل الدية إنتهاء القضية تماما، صورة لمبني وزارة العدل السعودية. |
ما قلناه من دفع الدية، سواء في القتل العمد أو القتل شبه العمد، أو القتل الخطأ، لا يتعارض مع ما يسمي ((الحق العام)).
فدفع الدية يكون قد أسقط ((الحق الخاص)) لأهل القتيل وورثته، لكن يبقي ((الحق العام)) وهو حق المجتمع الذي إصيب في أمنه واستقراره، لأن القتل من الجرائم الكبرى، لذا لابد من رد هذا الحق العام بعقاب الفاعل.
في هذا الصدد ينص البند رقم ٢ من المادة الثالثة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أن الدعوى الجزائية تنقضي في حالة ((عفو المجني عليه أو وارثه)).
وتضيف نفس المادة: ((ولا يمنع عفو المجني عليه أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام)).
وفي قضايا القتل يكون المجني عليه قد انتقل إلى رحمة مولاه أصلا، لذا يصبح العفو من حق ورثته، ولكن تظل المحكمة تنظر القضية فيما يتعلق ((بالحق العام)).
وفي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تقضي على القاتل بتنفيذ عقوبة الحبس.
استئناف حكم القتل أو القصاص في النفس:
حددت المادة ١٦٤ من (نظام الإجراءات الجزائية السعودي) المدة التي يحق فيها للمحكوم عليه الطعن في حكم القتل أو القصاص في النفس بأنها (٣٠ يوم).
في القضايا العادية، إذا لم يقم أحد الخصوم بطلب الطعن بالاستئناف ومرت هذه المدة، فإن حقهما في الاستئناف يسقط، لكن ونظرا لخطورة قضايا القتل أو القصاص في النفس، فقد استثناها نظام الإجراءات الجزائية السعودي، وجعل من الواجب رفعها أمام محكمة الاستئناف حتى ولو لم يقم أحد من الطرفين بذلك.
الطعن في الحكم القضائي الصادر بالقصاص في القتل:
نظرا لخطورة الحكم بالقصاص وقتل الجاني، ونظرا لأن تنفيذ هذا الحكم لا يمكن إطلاقا التراجع عنه، ولضمان أن يكون المتهم قد تمت محاكمته على أكثر من درجة تأكد القضاة فيها جميعهم من إدانته بالقتل.
نظرا لكل ما سبق، فقد جعلت المادة العاشرة من نظام الإجراءات الجزائية السعودي الأحكام الصادرة من ((محكمة الاستئناف)) سواء بالقتل أو القصاص في النفس، لا تكون نهائية إلا بعد تأييدها من ((المحكمة العليا)).
و ((المحكمة العليا)) في السعودية في القضايا العادية لا تنظر في وقائع القضية نفسها، بل تنظر في مدى إلتزام المحكمة التي أصدرته بتطبيق القواعد الشرعية والنظامية وتأويلها بشكل صحيح.
لكن ، ومرة أخرى، ونظرا لخطورة قضايا الحدود ((وعلى رأسها القتل أو القصاص في النفس))، فإن المحكمة العليا السعودية تنظر في وقائع القضية نفسها، لكي يكون المتهم في قضايا القتل في السعودية قد تمت محاكمته على ثلاث درجات تقاضي.
وبذلك فإنه إذا أنتهي الأمر بالحكم بقتله قصاصا، فإنه يكون حكما قد اتفقت عليه ٣ محاكم بمختلف درجاتها، وهو أمر يقل أن يوجد مثله في أي نظام قضائي في العالم، ويوضح مدى حرص النظام السعودي على أن يكون القصاص في محله لمن يستحقه فقط.
تنويه: مثل الطعن بالاستئناف، تكون مدة تقديم طلب الاعتراض بالنقض في قضايا القتل أو القصاص في النفس (٣٠ يوم)، لكن لو لم يتقدم به أحد الطرفين، فإن طلب النقض يرفع تلقائيا إلي المحكمة العليا بعد مرور تلك المدة.
ماذا يحدث إذا لم تؤيد المحكمة العليا السعودية الحكم في قضايا القتل؟:
لكن ماذا يحدث إذا حصل العكس ولم تؤيد المحكمة العليا السعودية الحكم في قضايا القتل.
هذه الحالة موضحة في المادة الحادية عشر من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، وقتها يتم نقض الحكم، وتعيد القضية إلي محكمة أول درجة لتحكم فيها من جديد.
تنفيذ عقوبة الاعدام:
نصت الفقرة الأولى من المادة ٢١٧ من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أن الأحكام الصادرة بالقتل بعد صدور أمر من الملك أو ممن ينيبه.
وقد حددت المادة ٢١٨ من النظام من لهم الحق في أن يشهدوا تنفيذ حكم الاعدام وهم: ((مندوبو الحاكم الإداري، المحكمة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشرطة)).