عصر يوم الثلاثاء، التاسع من سبتمبر عام ٢٠٢٥، مقاتلات حربية إسرائيلية تقصف العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة وفد حماس فيها.
فتح هذا العدوان الباب أمام الكثير من الأسئلة، وكان من أبرزها سؤالا عن كيفية وصول معلومات دقيقة إلي الإسرائيليين عن (موعد ومكان) اجتماع قيادات حماس في الدوحة.
وبينما دارت أحاديث عن سيناريو اختراق هواتف بعض أعضاء وفد حركة حماس نفسه، يبقي احتمال آخر لا يمكن استبعاده، وحتى لو ثبت بعد ذلك أنه لم يحدث في تلك الواقعة وهو أن يكون هناك عناصر من العملاء الذين أمدوا العدو الصهيوني بالمعلومات.
نتحدث هنا في اختصاصنا، بشكل قانوني، عن جرائم التخابر والتجسس ضد قطر، وجميعها تصلح لأن تنطبق على الواقعة الأخيرة كما سنوضح في هذا التقرير.
وللمفارقة سنوضح أيضا سوابق قضائية، وقعت أيضا وكان فيها الجاني أيضا هو إسرائيل.
جريمة التخابر مع دولة أجنبية ضد قطر:
كان من خطورة هذه الجريمة، أن المشرع القطري جعلها من بين الجرائم الافتتاحية في قانون العقوبات القطري رقم ١١ لسنة ٢٠٠٤.
إذ نص عليها في الباب الأول (الجرائم الموجهة ضد أمن الدولة الخارجي) من الكتاب الثاني (الجرائم الموجهة ضد المصلحة العامة)، وبالتحديد في البند الأول من المادة ١٠٠ الذي جاء كما يلي: ((يعاقب بالاعدام كل من:
١- سعى لدي دولة أجنبية، أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها، للقيام بأعمال عدائية ضد دولة قطر)).
ونلاحظ هنا أن النص قد استخدم كلمة ((سعى)) بمعني أن هذه العقوبة يستحقها من بدأ السعي في ذلك ولو لم يتخابر بالفعل، كمن حاول التواصل مع دولة أجنبية لهذا الغرض.
ومن صور الأعمال العدائية ضد قطر ما حدث مثلا من قصف الطيران الإسرائيلي للدوحة، فلو ثبت تورط أحد في التخابر مع إسرائيل في هذا الحدث، فإن عقوبته في القانون القطري هي ((الإعدام)).
![]() |
يعاقب قانون العقوبات القطري على جريمة التخابر مع دولة أجنبية بالإعدام، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل. |
كما أن ما حدث ينطبق عليه أيضا العقوبة المقررة في البند ٢ من ذات المادة (١٠٠ عقوبات قطري)، والتي تنص على عقوبة الإعدام أيضا لمن: ((سعى لدي دولة أجنبية معادية، أو تخابر معها، أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها، لمعاونتها في أعمالها الحربية، أو للإضرار بالعمليات الحربية لدولة قطر)).
وذلك لأن القصف الجوي هو بطبيعته (عمل حربي).
أيضا نجد أن ما حدث ينطبق عليه المادة ١٠٣ من قانون العقوبات القطري، والتي تنص على: ((يعاقب بالإعدام كل من أعان العدو بأن نقل إليه أخبارا، أو كان مرشدا له)).
هذا ولا يمنع ارتكاب نفس الشخص لأكثر من جريمة في واقعة واحدة أن يحاكم عليهم جميعا، إذ تقوم النيابة العامة بتكييف الواقعة وتحديد المواد القانونية التي تعاقب عليها.
جريمة اختراق الهواتف المقترنة مع التخابر في القانون القطري:
يفترض أحد السيناريوهات المحتملة للواقعة أن قصف الطيران الإسرائيلي تم عن طريق تحديد موقع قادة حركة حماس من خلال هواتفهم.
وهذا يطرح سؤالا مفاده، ماذا لو كانت واقعة اختراق الهواتف قد تمت من شخص داخل قطر؟.
في هذه الحالة نكون أمام جريمة جديدة معاقب عليها بموجب نص المادة ٣ من قانون رقم ١٤ لسنة ٢٠١٤ بإصدار قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي تنص على:
((يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة التي لا تزيد على ٥٠٠،٠٠٠ خمسمائة ألف ريال أو بإحدي هاتين العقوبتين، كل من دخل عمدا دون وجه حق بأي وسيلة موقعا إلكترونيا، أو نظاما معلوماتيا، أو شبكة معلوماتية، أو وسيلة تقنية معلومات أو جزء منها، ....
وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا ترتب على الدخول إلغاء أو حذف أو إضافة أو إفشاء أو إتلاف أو تغيير أو نقل أو التقاط أو نسخ أو نشر أو إعادة نشر بيانات أو معلومات إلكترونية مخزنة في النظام المعلوماتي أو إلحاق ضرر بالمستخدمين أو المستفيدين ....)).
![]() |
إذا كان من اخترق هواتف قادة حماس وحدد مواقعهم متواجدا داخل قطر، فإنه يكون قد ارتكب جريمة أخرى بجانب جريمة التخابر، الصورة صممت بنموذج الذكاء الاصطناعي Gemini من جوجل. |
وهذا ما حدث بالفعل في تلك الواقعة، فلو افترضنا وجود جاني داخل قطر أخترق هواتف قادة حماس، فإن عقوبته وفقا لهذه المادة تكون مضاعفة (ست سنوات والغرامة مليون ريال أو بإحدي هاتين العقوبتين).
لكن وكما قلنا فإنه يكون أصلا قد أرتكب جريمة التخابر والتي عقوبتها الإعدام؟ .. فماذا سيحدث في هذه الحالة لو صدر بالفعل ضده حكم بالإعدام عن التخابر، وبالحبس عن تهمة اختراق الهواتف.
في هذه الحالة يتم تنفيذ حكم المادة ٤٤ من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي تنص على أن تنفيذ العقوبات في هذا القانون لا تخل بالعقوبات المقررة في قانون العقوبات.
وكذلك حكم المادة ٨٩ من قانون العقوبات والتي تنص على: ((تجب عقوبة الإعدام جميع العقوبات الأخرى، عدا عقوبتي الغرامة والمصادرة)).
لذا سيتم تنفيذ حكم الاعدام، وإذا كان من الممكن سيتم كذلك تنفيذ حكم الغرامة أيضا إذا كان للمتهم مالا.
ما هي عقوبة الطرف الآخر في قضايا التخابر؟:
كما هو معلوم، فإن قضايا التخابر تحتاج إلي طرف آخر من الدولة التي يتخابر الجاسوس لصالحها، وغالبا ما يكون أحد ضباط أجهزة المخابرات والأمن لديها.
الفقرة الثانية من المادة رقم ١٢٨ من قانون العقوبات القطري نصت على: ((ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على الاتفاق، أو كان له شأن في إدارة حركته فإذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جريمة واحدة معينة أو اتخاذها وسيلة إلى الغرض المقصود، يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة)).
قضية التخابر الإسرائيلية على البحرية القطرية:
من التطبيقات القضائية في دولة قطر على دعاوى التخابر، هو الحكم الذي أصدرت محكمة قطرية في نهاية عام 2023 ((بالاعدام)) بحق ٨ ضباط سابقين من سلاح البحرية الهندية، اتهموا بالتخابر مع إسرائيل ضد قطر.
حيث كانت أجهزة الأمن القطرية قد ألقت القبض عليهم في أغسطس / آب عام 2022.
لكن هذا الحكم لم يتم تنفيذه، وذلك لأن أمير دولة قطر قد أعمل نص المادة ٣٤٠ من قانون رقم ٢٣ لسنة ٢٠٠٤ بإصدار قانون الإجراءات الجنائية القطري والتي تنص على: ((متي صار حكم الإعدام باتا، وجب على النائب العام رفع أوراق الدعوى فورا إلي الأمير للتصديق عليه، ولا يجوز تنفيذه قبل ذلك)).
في النهاية يمكنكم استخدام خاصية التعليقات أسفل الصفحة لطرح أسئلتكم حيث يسرنا الرد عليها.
ولأي استشارات بشأن جريمة التخابر ضد قطر .. أو أي استشارات قانونية في أي دولة من دول الخليج العربي.. يسعدنا في "القانون في الخليج" تلقي استفساراتكم عبر صفحة (اتصل بنا) حيث نقدم إجابات شاملة ومجانية لمدة ٣ أيام على الأقل.
كما لا تنسوا متابعتنا على منصاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي:
وفي الختام سلام عليكم..