نقدم في هذا التقرير من ((القانون في الخليج)) نظرة عامة وتحليلاً شاملاً لتنظيم قانون العقوبات البحريني لجريمة السحاق أو (المثلية الجنسية بين النساء).
إذ يخلو قانون العقوبات البحريني من نص واضح وصريح حدد (السحاق) كجريمة، وبالرغم من ذلك، فإن هذا الفعل يدخل ضمن ما عبر عنه المشرع البحريني بوصف (الفجور) أو وصف (هتك العرض).
إذ اتبع المشرع البحريني نهج غير كامل، فهو لم يتجاهل جريمة السحاق (المثلية الجنسية بين النساء) شكل تام، وفي نفس الوقت استبعد ذكرها صراحة في نصوص قانون العقوبات، وهو ما خلق انطباع خاطئ عند البعض من أن هذه الجريمة غير مؤثمة بموجب القانون البحريني، وهو ما سنصححه اليوم.
جريمة السحاق في القانون البحريني:
كما قلنا لا يوجد نص صريح بجريمة السحاق في القانون البحريني، لكن يحل محلها جريمة (هتك العرض).
هذه الجريمة وردت في المادة ٣٤٦ من قانون العقوبات البحريني وجعلت عقوبة السحاق بغير رضا المجني عليها السجن الذي لا يزيد عن عشر سنوات، وذلك لأن النص جاء كما يلي: ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من اعتدي علي عرض شخص بغير رضاه)).
- إذا كانت المجني عليها قاصر -لم تكمل السادسة عشرة من عمرها- وتم الأمر بغير رضا منها، تكون العقوبة السجن.
وطالما قال النص أن العقوبة هي ((السجن)) وسكت دون تحديد مدة معينة، فهذا يجعلنا نرجع إلي المادة ٥٢ من قانون العقوبات البحريني وبالتحديد الفقرة الثانية منها، والتي جعلت مدة السجن المؤقت لا تقل عن ٣ سنوات ولا تزيد على خمسة عشر سنة.
إذن فإن ما حدث هو أن المشرع البحريني رفع الحد الأقصى للعقوبة طالما كانت المجني عليها قاصر لم تكمل السادسة عشر ليصبح السجن ١٥ سنة بدلا من عشر سنوات.
- في الفقرة الثالثة من نفس المادة (٣٤٦ من قانون العقوبات البحريني) افترض القانون البحريني عدم رضا المجني عليها والسبب وراء ذلك أن لم يكمل الرابعة عشرة من عمره لا يكون مكتمل الأهلية أصلا.
عقوبة جريمة التحريض على السحاق في البحرين؟:
نبدأ مع المادة ٣٢٤ من قانون العقوبات البحريني التي تنص على: ((كل من حرض ذكرا أو أنثي على إرتكاب الفجور أو الدعارة، أو ساعده على ذلك بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس)).
ومعني الفجور هو الفسوق المائل عن الحق، وقيل في معني الفجور أيضا: (الفسوق والعصيان).
كما نلاحظ هنا أيضا أن النص قال ((كل من)) وهذا يشمل الذكور والإناث معا ثم يضيف ((حرض ذكرا أو أنثي))، وبهذا المعني فإذا حرضت انثي انثي غيرها على السحاق ((الفجور بمسمي النص)) أو ساعدتها على ذلك بأي طريقة، فإنه ينطبق عليها العقوبة وهي الحبس.
ومع عدم تحديد النص لمدة الحبس بالتحديد، فإن هذا يعيدنا إلي الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من قانون العقوبات البحريني، والتي حددت أن مدة الحبس لا تقل عن ١٠ أيام، ولا تزيد على ثلاث سنوات.
فتصبح عقوبة جريمة التحريض على السحاق ((المثلية الجنسية بين النساء)) أو المساعدة على ارتكابها في البحرين هي الحبس مدة لا تقل عن ١٠ أيام، ولا تزيد على ثلاث سنوات.
جريمة تحريض قاصر على السحاق:
الفقرة الثانية من ذات المادة (٣٢٤ عقوبات بحريني) تعاملت مع سن المجني عليها في جريمة السحاق، فإذا كان أقل من ١٨ سنة، تزيد عقوبة من حرضتها على السحاق أو سهلته لها لتصبح الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات.
والتحريض هنا لا يشترط أن تمارس المحرضة السحاق ((المثلية الجنسية بين النساء)) مع من حرضتها بنفسها، بل يكفي أن يكون الأمر مجرد تشجيعها على ممارسته أو جعله أمرا طبيعيا من وجهة نظرها بدعاوى شعارات مثل الحرية.
وكانت البحرين قد شهدت قضية شهيرة في مطلع العام ٢٠٢٢، حينما قامت مدرسة بإحدي المدارس الخاصة بتوزيع قصة تروج الشذوذ الجنسي لطلابها.
ووصف (المجني عليها) في جريمة السحاق يجعلنا هنا نقف لنستنتج من هذا النص شيئين:
- أنه أفترض أن الانثي التي حرضت أو سهلت جريمة السحاق، يزيد عمرها عن ١٨ سنة، ولم يحدد لنا النص ما هي العقوبة إذا كان كل من الجانية والمجني عليها أقل من ١٨ سنة، لذا فإنه لن يكون هناك فارق في هذه الحالة، وستعاقب الجانية بنفس العقوبة (الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات).
- أن النص لم يعبأ برضا المجني عليها، سواء كان عمرها أقل أو تجاوز الثامنة عشر، وجعلها في جميع الأحوال ((مجني عليها))، وهو أمر نأمل تعديله، بجعل العقوبة مشتركة خصوصا إذا ثبت وجود الرضا بين الطرفين.
عقوبة الإكراه على السحاق في القانون البحريني:
ثم ذهبت المادة ٣٢٥ من قانون العقوبات البحريني إلي حالة استخدام "الإكراه أو التهديد أو الحيلة" في جعل الانثي ترتكب الفجور، فجعلت العقوبة مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات.
وصور الإكراه أو التهديد أو الحيلة واسعة ومتنوعة، وتشمل الإكراه المادي (كالتهديد بسلاح أو إيذاء بدني)، أو الإكراه المعنوي (مثل الحالة التي كثيرا ما تتكرر وكثيرا ما حذرنا منها من إرسال صور خاصة بأوضاع لا تليق للفتيات لأشخاص غرباء).
وفي الفقرة الثانية من ذات المادة، نجد تغليظ العقوبة إذا وقع الإكراه أو التهديد أو الحيلة على مجني عليها يقل سنها عن الثامنة عشرة، فزادت مدة العقوبة لتصبح السجن الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات، ولا تزيد عن عشر سنوات.
ثم نطالع نص المادة ٣٢٧ من قانون العقوبات البحريني والتي تناولت أن يكون حالة من قام بتحريض فتاة على ممارسة السحاق سواء بالإكراه أو بدونه، لكنها كانت من قامت بالتحريض من أصول المجني عليها (والدتها)، أو من المتولين تربيتها أو رعايتها (كحالة المدرسة التي ذكرناها)، أو ممن لهم سلطة عليها (كحالة المديرة في العمل).
في مثل هذه الحالات قضت هذه المادة بمضاعفة العقوبة في حديها الأدنى والأقصى، لكن بشرط أن لا تزيد عن ١٥ سنة سجن.
مقترح لتجريم السحاق بشكل صريح في قانون العقوبات البحريني:
في فبراير من العام ٢٠٢٤، مرر (مجلس النواب البحريني) ط مقترح تعديل قانون العقوبات ليشمل تجريم المثلية الجنسية بكافة صورها (اللواط - السحاق).
بموجب هذا التعديل المقترح وإذا تمت الموافقة عليه بشكل نهائي، ستصبح عقوبة السحاق ((المثلية الجنسية بين النساء)) في القانون البحريني الحبس مدة لا تقل عن ٦ شهور، والغرامة التي لا تقل عن ٥٠٠ دينار ولا تزيد على ألفي دينار بحريني.
كما ينص التعديل المقترح على جعل العقوبة هي الحبس أو الغرامة التي لا تقل عن ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من قام بأية وسيلة بالترويج او التمجيد او التبرير او التشجيع لأعمال تشكل فعلًا من أفعال الشذوذ مع شخص من جنسه.
الملاحظ على هذا النص أنه جاء أقل من حيث قوة العقوبات للجريمة نفسها، مقارنة مع تعديل مقترح في وقت أسبق (بالتحديد كان في عام ٢٠٢١) جاء بعقوبات وصلت إلي السجن لمدة خمس سنوات فقط لمن رفع شعارات تؤيد الشذوذ الجنسي أو حرض عليه أو روج له أو حضر اجتماعات أو مسيرات لهذا الغرض.
وقد قال النواب الذين تقدموا بهذا المقترح وقتها أنهم اعتمدوا في تقديمه على جزء من خطاب سابق لملك البلاد (حمد بن عيسي آل خليفة) أكد فيه عدم سماحه بأي شكل من أشكال المساس بمنظومة القيم والتقاليد البحرينية.
ونحن في ((القانون في الخليج)) نؤيد الإتجاه الذي يذهب إلي تجريم السحاق بنص واضح في قانون العقوبات البحريني، لكي يكون الضوء مسلطا على عقوبة هذا الفعل الخارج عن الفطرة البشرية السليمة، لحماية المجتمع والأسرة البحرينية.