جريمة القتل العمد في القانون الكويتي
يقول أعز من قال في كتابه الحكيم: ((مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)) {مطلع الآية ٣٢ : سورة المائدة}.
دوما ما كانت جريمة القتل -وخصوصا العمد منها- واحدة من أخطر وأبشع الجرائم في كل زمان ومكان.
ودائما ما سعت مختلف التشريعات لمواجهة هذه الجريمة، ومن بينها (قانون الجزاء الكويتي)، حيث عالج صورة (القتل العمد) في الكتاب الثالث منه، بداية من الباب الأول بعنوان (الجرائم الواقعة على النفس).
إذ خصص له المواد من ١٤٩ : ١٥٩ -باستثناء المادة ١٥٤ الخاصة بالقتل الخطأ-، وهذا ما سنتناوله اليوم بالفحص في هذا التقرير من (القانون في الخليج).
عقوبة القتل العمد في القانون الكويتي:
 |
| على كل شخص يفكر في إرتكاب جريمة القتل أن يتذكر أن مصيره النهائي هو القبض عليه ومحاسبته على جريمته، صورة شعار شرطة الكويت، استخدام عادل. |
لم يضع القانون الكويتي تعريفا محددا لجريمة القتل العمد.
ومع ذلك، فباستقراء نصوص قانون الجزاء، يمكننا تعريف جريمة القتل العمد في الكويت بأنها قتل شخص بواسطة شخص أو مجموعة أشخاص، دون مبرر أو عذر قانوني، وعادة ما يتم تمييزه عن جريمة القتل غير العمدي (القتل الخطأ) بوجود خبث أو نية سيئة فيه.
عقوبة القتل العمد في قانون الجزاء الكويتي هي الإعدام أو الحبس المؤبد.
إذ تنص المادة ١٤٩ منه على: ((من قتل نفسا عمدا يعاقب بالاعدام أو الحبس المؤبد، ويجوز أن تضاف إليه غرامة لا تجاوز ألف ومائة وخمسة وعشرين دينارا)).
ويكون تنفيذ حكم الاعدام في الكويت بواحدة من وسيلتين حددتهما المادة ٥٨ من قانون الجزاء وهما الشنق أو الرمي بالرصاص،. وإن كان الواقع العملي يقصر التطبيق على الشنق، وتبقي قضايا العسكريين هي التي يطبق فيها الحكم رميا بالرصاص.
لكن متي تكون عقوبة القتل العمد في الكويت هي الإعدام ومتي تكون هي الحبس المؤبد؟.
الأمر يرجع هنا إلي المادة ١٧٤ من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي التي حددت أن الأحكام تصدر بالأغلبية.
ثم نعود إلي المادة رقم ٧ من نفس القانون والتي حددت عدد القضاة الذين تتألف منهم (محكمة الجنايات) بثلاثة قضاة.
فهكذا إذا كان اثنين من القضاة على الأقل يرون أن الحكم المناسب في القضية هو الإعدام يصدر الحكم به، وإذا كانا يريان أن الحكم المناسب هو الحبس المؤبد فإن الحكم سيكون هو الحبس المؤبد.
وفي الواقع العملي، فإن المحاكم الكويتية تميل في حالة ثبوت جريمة القتل العمد على المتهمين إلي الحكم بالإعدام، وتنفيذ حكم الله الوارد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [مطلع الآية ١٧٨ : سورة البقرة].
مع ملاحظة أن كل ما سبق يتعلق بجريمة القتل العمد في صورتها البسيطة، حيث لا يقترن فعل القتل نفسه مع ظروف مخففة أو مشددة للعقوبة.
ولكن هناك صورة أخرى هي جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد، وهذه سنوضحها بشكل مستقل.
* تنويه: أوضحت المادة ٦١ من قانون الجزاء الكويتي بأن (الحبس المؤبد) يستغرق حياة المحكوم عليه -بمعني أنه يبقي محبوسا إلى أن يتوفاه الله-، ويكون مقترنا بالشغل دائما.
وتجدر الإشارة هنا إلي أن هذه العقوبة تسري على الجميع، بغض النظر عن جنسيته، كويتيا كان أو غير كويتيا، وسواء كان المجني عليه كويتي أو غير ذلك، مسلما أو غير مسلم.
ما هو القتل بالسم في القانون الكويتي؟:
 |
| يعاقب القانون الكويتي مرتكب جريمة القتل بالسم بالاعدام، صورة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت copilot، خاصة بالقانون في الخليج. |
نعود إلى النصوص العقابية بشأن القتل في قانون الجزاء الكويتي، وهذه المرة مع المادة ١٤٩ من قانون الجزاء والتي تناولت صورة من صور القتل العمد وهي صورة القتل بالسم.
واستعمل النص جملة ((من قتل نفسا عمدا بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلا أو آجلا يعاقب بالاعدام، أيا كانت كيفية استعمال تلك الجواهر)).
الملحوظة الأبرز على هذا النص، هو أنه اقتصر على عقوبة الاعدام فقط، ولم يجعل حتى الحبس المؤبد خيارا يمكن للمحكمة تطبيقه .. فلماذا إذن تشدد هنا؟.
الحقيقة أن استخدام الجواهر المخدرة أو السامة، تجعل الجريمة تتسم بالغدر، وغالبا يأتي هذا الغدر من قريب يثق فيه الضحية إلي الدرجة التي تمكنه من دسها له.
فمن قتل شخص بوضع السم في طعامه أو شرابه، يكون إما خادمه أو زوجته أو زوجه، ما يكشف عن خسة نفس الفاعل وجبنه.
أيضا فإن هذه الجريمة تتسم بالسهولة مقارنة بالقتل خنقا أو طعنا او رميا بالرصاص.
في ذات الوقت فإنها تدخل ضمن دائرة القتل مع سبق الاصرار، فالقاتل يجهز السم ثم يضعه في الطعام أو الشراب وينتظر نتيجته، وهذا ما سنوضحه فيما يلي.
القتل العمد مع سبق الاصرار أو الترصد:
نصت المادة ١٥٠ من قانون الجزاء الكويتي بشكل واضح على: ((يعاقب على القتل العمد بالاعدام إذا اقترن بسبق الاصرار أو الترصد)).
وهنا يتوفر ظرف مشدد للعقوبة يجعلها الاعدام فقط، ولا مجال أمام المحكمة إذا تيقنت من كون المتهم هو القاتل بالفعل إلا أن تحكم عليه بالاعدام.
القتل العمد بدافع (الدفاع عن الشرف):
نصل الآن إلي المادة ١٥٣ من قانون الجزاء الكويتي أو ما يطلق عليها البعض مادة (جرائم الشرف).
هذه المادة تخفف من عقوبة القتل في حق الرجل الذي يفاجئ بواحدة من التالي ذكرهن وهي تزني.
- زوجته.
- ابنته.
- أمه.
- أخته.
ثم قام وهو في حالة المفاجأة بقتلها أو قتل من يزني بها، أو قتلهما معا.
التخفيف هنا جاء في صورة إنزال شديد في حد العقوبة بجعلها الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات -بمعني أنه يجوز للمحكمة أن تحكم بأقل من ذلك-، وبغرامة لا تجاوز مائتين وخمسين دينارا، أو بإحدي هاتين العقوبتين.
هذا يجعلنا أمام حالة قد يتم فيها تخفيض حد القتل إلي مجرد غرامة مالية قد تقل حتى عن ٢٥٠ دينار كويتي، كما أن الحبس هنا يعد وفقا للقانون الكويتي (حبس مؤقت) أي يجوز قانونا أن تكتفي المحكمة بحبس الفاعل ٢٤ ساعة فقط.
والعبرة التي استند إليها المشرع الكويتي في هذا النص، هو أن القاتل يكون وقت ارتكاب الجريمة في حالة من الصدمة الشديدة التي قد تجعله يرتكبها.
لكن هنا ننوه إلى نقطة شديدة الأهمية، وهي أن استخدم هذه الألفاظ: ((من فأجا)) ، ((حال تلبسها)) ، ((قتلها في الحال)).
هذا يعني ببساطة أنه لا يجوز بعد أن يمر بعض من الوقت أن يقتل الرجل زوجته أو أمه أو أخته أو بنته، ويقول لقد فأجاتها وهي تزني منذ بضع ساعات أو بضعة أيام، أو يوم كذا.
كما لا يستفيد من هذا النص من ضبط زوجته أو أبنته أو أخته أو والدته وهي تتحدث بشكل خارج مع رجل عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى شك في ذلك.
هذا، وتتحرك بعض الدعوات بين الحين والآخر في الكويت للمطالبة بإلغاء هذه المادة وجعل العقاب على أي جريمة فقط في يد القضاء وحده.
تعدد الجناة في جريمة القتل العمد:
قد ترتكب جريمة القتل العمد من أولها إلى آخرها بتخطيط وتنفيذ جاني واحد.
لكنها أيضا قد يشترك في ارتكابها أكثر من شخص، وهنا يطبق عليها حكم المادة ٤٧ من قانون الجزاء الكويتي.
هذه المادة جعلت هناك تعدد للجناة في ثلاث حالات:
- أن يرتكب جريمة القتل العمد أكثر من شخص (مثال: تتفق زوجة مع عشيقها على قتل زوجها وينفذان الجريمة سويا).
- إذا كان هناك أحد الجناة قد أتي أفعال للمساعدة في ارتكاب الجريمة (كشراء سلاحها مثلا) أو الحضور في مكان ارتكاب الجريمة أو بالقرب منها بقصد التغلب على اي مقاومة قد تصدر من الضحية، أو حتى لمجرد تقوية عزم الجاني أو تشجيعه.
- تحريض شخص غير أهل للمسؤولية الجنائية (مثل المجنون أو المعتوه) أو شخص حسن النية على ارتكاب الجريمة.
وفي هذه الحالة فإن الجناة يأخذون نفس الحكم، ولنا مثالا على ذلك، قضية خطف واغتصاب وقتل إحدي الفتيات، والتي انتهت فيها محكمة التمييز الكويتية بتاريخ أبريل ٢٠٠٤ إلي تأييد حكم محكمة الاستئناف بإعدام ثلاثة متهمين اشتركوا معا في تلك الجريمة.
حالات القتل العمد دفاعا عن النفس في القانون الكويتي:
من ضمن الحالات التي ذكرتها المادة ٣٢ من قانون الجزاء الكويتي والتي تنفي عن فعل يعتبره القانون في الأصل جريمة، وصف الجريمة، وتحوله إلي (فعل مباح) هو حالة الدفاع الشرعي عن النفس.
ثم جاءت المادة ٣٤ من ذات القانون، لتضع قاعدة لها ثلاثة استثناءات، ومفاد هذه القاعدة أنه ((لا يبيح الدفاع الشرعي القتل العمد)).
لكن تلك المادة نفسها استثنت ثلاث حالات، إذا ما تعرض لهم أي شخص يجوز له الدفاع عن نفسه ولو كان ذلك بقتل الجاني عمدا .. وهذه الحالات هي:
- الحالة الأولى: دفع جريمة يتخوف أن يحدث منها الموت أو جراح بالغة، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة. (مثال: شخص يصوب سلاحا ناريا أو يندفع بقوة قاصدا طعن شخص آخر في مكان قاتل، فهنا يجوز لمن يتعرض للاعتداء قتل من يحاول قتله).
- الحالة الثانية: مواقعة إنثي بغير رضاها أو هتك عرض إنسان بالقوة. (مثال: من يحاول اغتصاب فتاة بغير رضاها، أو هتك عرضها أو حتى هتك عرض رجل من قبل رجل مثله أو سيدة من قبل سيدة مثلها بشرط استخدام القوة في هتك العرض).. لمزيد من التفاصيل يمكنكم مطالعة تقريرنا: (اللواط - السحاق - هتك العرض) جرائم الشذوذ الجنسي في القانون الكويتي.
- الحالة الثالثة: محاولة اختطاف إنسان بالقوة أو التهديد.
COMMENTS